الثلاثاء، 2 فبراير 2010

طريق تعاون تمتد لـ 20 قرناً


طريق تعاون تمتد لـ 20 قرناً



ترجمها وعلق عليها: أ.د. محمد البخاري

نشرت صحيفة Uzbekistan Today التي تصدر في العاصمة الأوزبكستانية طشقند باللغتين الروسية والإنكليزية، والموجهة خاصة للقارئ الأجنبي، في عددها الصادر يوم 28/1/2010 مقالة تحت عنوان " طريق تعاون يبلغ طولها 20 قرناً، الأرض الأوزبكية كانت أنشط المشاركين بتبادل التكنولوجيا بين الشرق والغرب على طرق الحرير العظيمة " كتبها أناتولي يرشوف.

والكاتب من أبناء الأقليات التي تعيش في جمهورية أوزبكستان اليوم ويبلغ عددها نحو 130 قومية وشعب يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة كغيرهم من مواطنيها، ويسهمون بدورهم في تطوير مختلف العلوم الحديثة.

ورغم وقوع كاتب المقالة بمغالطات روج ويروج لها الكثير من المستشرقين في الغرب، ورغم تجاهله الإشارة صراحة في مقالته للحضارة الإسلامية التي سبقت الحضارة الأوروبية بعدة قرون، وتجاهله للعلاقات التي كانت قائمة بين حضارات بلاد الشام، وبلاد الرافدين، وبلاد ما وراء النهر قبل نشوء الحضارة الإسلامية، وجرت خلال تبك الحضارات عملية تبادل مستمرة للصناعات الحرفية، وصناعات الزجاج، والمعادن، وغيرها من حرف ذلك الوقت. رأيت أنه لا بد من تقديم ترجمة كاملة للمقالة علها تسلط بعضاً من الضوء على الطريقة التي لم يزل يفكر بها البعض في دول وسط آسيا التي شرعت بعد استقلالها بإعادة كتابة تاريخها وتصحيحه من الإرث التاريخي الطويل الذي خلفته سنوات طويلة من الحكم الاستعماري الذي عمل دائماً على تحريف وتزوير تاريخ دول المنطقة. وأن أقدم خدمة للباحثين العرب المهتمين بتاريخ وسط آسيا علهم يبادرون للتعاون مع زملائهم من الباحثين الأوزبك لتوضيح الحقائق ولإصلاح ما أفسده الوقت من التاريخ المشرق لحضارات بلاد ما وراء النهر، وبلاد الرافدين، وبلاد الشام. وهو التعاون الذي أصبح حاجة ملحة لإعادة علاقات دول تلك المناطق ببعضها بعد انقطاع قارب القرن من الزمن.

وهذه ترجمة حرفية لمقالة أناتولي يرشوف:

" استخدم الغرب الكثير من المنجزات التقنية التي توصل إليها الشرق. وبفضل أجدادنا استخدمت الصين وغيرها من دول جنوب شرق آسيا بدورهم منجزات الأوربيين. وشهد أبناء مابين نهري أموداريا وسرداريا، تاريخ الإمبراطوريات التي كانت قائمة في القرن الـ5، وكشفوا أسرار صناعة الزجاج للصينيين، وقاموا بصناعته هناك. ويحدثنا التاريخ عن حرفيين وصلوا إلى عاصمة أسرة "وي" وأعلنوا أنهم يستطيعون صناعة زجاج من خمسة ألوان مختلفة، عن طريق إذابة بعض المعادن. "وبدؤوا بجمع المواد، وحفروا في الجبال، وأذابوا في العاصمة المواد المعدنية. وحصلوا بالنتيجة على زجاج له بريق يفوق بريق الزجاج المستورد من الغرب".

ونفهم من آخر المصادر التاريخية أن حرفيي منطقة مابين نهري أموداريا وسرداريا، استطاعوا تطوير التكنولوجيا الأوروبية. ويعود الدور النشيط في تبادل المنجزات بين الشرق والغرب لتجار "الصغد". اللذين أقاموا طرقهم التجارية على طول طريق الحرير العظيمة: من الصين إلى مصر. ومن الشواهد على ذلك وجود حي يحمل اسم الأزبكية في مركز مدينة القاهرة. ونفس الاسم تحمله حديقة أقيمت هناك، وأطلق على أحد الشوارع فيها. ويمكن فيه شراء الكتب المخطوطة النادرة، التي يعمل على تسويقها أحفاد التجار الصغديين القدامى. اللذين أتوا من أرض أوزبكستان القديمة. والدور الهام يعود ليس لترانزيت المنجزات الجديدة بين الشرق والغرب، ولكن في نشر المنجزات التكنولوجية الخاصة بهم. وتلك المنجزات كانت غير قليلة.

وتشير المصادر الصينية المكتوبة إلى أنهم تعلموا معالجة الحديد، وصناعة الحديد الأسود في بلاد داوان (كما كان يطلق على الصينيين في وادي فرغانة) في القرن الثاني قبل الميلاد. وللمقارنة نشير إلى أن الأوروبيين بدؤوا يذيبون الحديد الأسود (من أجل صناعة قاذفات الحجارة ومقذوفات المدافع) بعد 1500 سنة في القرن الـ 15. وأتقن الفرغانيون إنتاج المصنوعات الفولاذية عالية الجودة. وأثبت ذلك اللقيات التي عثر عليها منقبي الآثار في أوزبكستان، ومن بينها كماشات كان يستخدمها الحدادون وصنعت من مواد تشبه أحدث أنواع الفولاذ عالي الجودة المعاصر اليوم. وتوصل الباحثون إلى أن العاملين في التعدين بفرغانة توصلوا لفكرة استخدام الفحم الحجري لحرق الأوعية الفخارية من الخارج. وهي الطريقة التي جنبت الأوعية من ترسب الترسبات الضارة داخلها.

والأرض الأوزبكية تعتبر من أقدم المناطق على الكرة الأرضية التي جرى فيها على نطاق واسع استخراج ثروات باطن الأرض والمعادن. ومن خلال أعمال التنقيب التي جرت فيها أعدت تكنولوجيا فريدة، شملت مهارات تدعيم المناجم في القرون الوسطى، وهي تلبي متطلبات العلوم المعاصرة. وانتشرت المنجزات في هذا المجال عبر طريق الحرير العظيمة. واسهم بنشرها الرحالة والعلماء.

وابن سينا كان ليس مؤسساً للعلوم الطبية فقط، بل ترك من بعده مؤلفاته في العديد من المجالات المعرفية، ومن بينها الجيولوجيا. ومؤلفه الموسوعي "كتاب الشفاء" يحوي قسماً خصصه للمعادن وتشكل الجبال. وهذا القسم ترجم في القرن الثاني عشر إلى اللغة اللاتينية، وأعيد إصداره أكثر من مرة في كتاب خاص. وقسم ابن سينا المعادن إلى أربعة مجموعات. وهذا التقسيم بالكامل دخل في علوم المعادن الأوروبية وخلال عدة قرون كان أساساً لكل تصنيفات المعادن.

وشرح العالم الموسوعي الذي عاصره أبو ريحان البيروني الجغرافية القديمة لأحد أحواض أضخم الأنهار الآسيوية حوض نهر أموداريا، واكتشف طريقة التخطيط الموازي، وصنع أدوات بسيطة لتحديد خطوط العرض الجغرافية، وطرقاً لتحديد خطوط الطول الجغرافية. واعتبر البيروني علم الجيولوجيا كفرع معرفي قائم بحد ذاته، وكان أحد مؤسسيه. وفي مؤلفه "المعادن" وجدنا شهادات على استخدام تكنولوجيا الأحجار الثمينة وغيرها من المعادن.

وكتب العالم عن استخدام الأشرطة المعدنية من أجل القياس في الساعات المائية، والمغنطيس من أجل فصل الذرات مغنطيسياً عن خامات الذهب. وصادفنا في مؤلف ابن وطننا العظيم لأول مرة إشارات غير قابلة للجدل لاستخدام عدسات من الكريستال الجبلي لتكبير الصور. وحدد البيروني أيضاً أثقال عدد من المعادن. وكان لهذه المعلومات أهمية عملية كبيرة، وانتشرت في دول طريق الحرير العظيمة".

أ.د. محمد البخاري، طشقند في 29/1/2010


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق