الاثنين، 1 فبراير 2010

من أعلام التاريخ الإسلامي في ما وراء النهر السلطان جلال الدين منغوبيردي خوارزم شاه


من أعلام التاريخ الإسلامي في ما وراء النهر السلطان جلال الدين منغوبيردي خوارزم شاه

كتبها أ.د. محمد البخاري: مستشار رئيس جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، وأستاذ محاضر بكلية العلاقات الدولية بتاريخ 12/11/2000.


تحدثت مراجع تاريخية كثيرة عن أساطير عدة تناولت حياة أبطال أسطوريين عاشوا في منطقة ما وراء النهر، ومن بين أولئك الأبطال الأسطوريين السلطان جلال الدين منغو بيردي خوارزم شاه، آخر سلاطين الدولة الخوارزمية خلال فترة الاجتياح المغولي لما وراء النهر في القرن الثالث عشر الميلادي. وقد تناولت المراجع التاريخية تلك الشخصية التاريخية حتى أثناء حياة جلال الدين في الفترة التي سبقت ورافقت الغزو المغولي للعالم الإسلامي.


ونجد من بين المخطوطات الكثيرة المحفوظة في مكتبات المخطوطات بجمهورية أوزبكستان، أربع مخطوطات مستقلة تتحدث بشيء من التفصيل عن حياة وشخصية جلال الدين والفترة التاريخية الهامة التي عاش فيها، وما تعرض له العالم الإسلامي من محن ودمار خلفه الغزاة المغول بسبب تقاعس وسوء تقدير الحكام والقادة العسكريين في ما وراء النهر والعالم الإسلامي آنذاك، للخطر الداهم والعدو الشرس المتربص بهم.


ومن تلك المراجع الكتاب المخطوط الذي كتبه حاجبه الخاص، المؤرخ المعروف شهاب الدين محمود النسفي (توفي حوالي 1249م)، تحت عنوان: "سيرة السلطان جلال الدين منغوبيردي". وهو الذي عرف جلال الدين عن قرب، وشارك فعلاً في تلك الأحداث التي وصفها في كتابه، بحكم عمله حاجباً للسلطان.


وكتب المخطوط الآخر بوصف كاد معه أن يكون أحد المعاصرين لتلك الأحداث المقلقة والفاجعة، المؤرخ العربي الشهير ابن الأثير، الذي تناول في الجزء الأخير من كتابه "الكامل في التاريخ"، الواقع في 12 جزءاً، بالتفصيل الاجتياح المغولي للعالم الإسلامي. وأفرد قسماً كبيراً منه لكفاح خوارزم شاه السلطان جلال الدين منغو بيردي آخر سلاطين خوارزم أثناء الاجتياح المغولي للدولة الخوارزمية، وتناول تصديه البطولي للغزاة.


وكتب المخطوط الثالث باللغة الفارسية مينحاج الدين بن سيراج الدين الزوجزجاني عام 1260م، تحت عنوان: "طبقاتي نصيري"، وتناول فيه السلطان جلال الدين بكثير من الاختصار.


وآخر المخطوطات الأربعة هو مخطوط "تاريخي جاهان غوشوي". الذي كتبه بالفارسية المؤرخ الخراساني علاء الدين آتا مالك الجويني، وهو حفيد شمس الدين محمد الجويني الذي كان وزيراً أولاً لجلال الدين منغوبيردي لبعض من الوقت. ويقع مخطوط "تاريخي جاهان غوشوي" في ثلاثة أجزاء، ويشمل وقائع هامة غير موجودة في المراجع الأخرى التي تناولناها أعلاه في هذه المقالة. والفارق الوحيد بين هذا الكتاب المخطوط والكتب المخطوطة الأخرى، أن الجويني خدم حكام المغول الغزاة لعدة سنوات بعد استيلائهم على الدولة الخوارزمية.


وتطالعنا اليوم مراجع كثيرة تتحدث عن شخصية السلطان جلال الدين منغو بيردي، من وجهات نظر ومراحل مختلفة، منها ما كتبه مؤلفون مسلمون، ونطالع بينها كذلك مراجع تاريخية كثيرة كتبت باللغات المغولية، والصينية، والجورجية، والعربية، والفارسية.


ويصف النسفي السلطان جلال الدين منغو بيردي بأنه: "كان أسمر اللون، معتدل القامة، تركي اللغة، ويتكلم الفارسية أيضاً". ويحدثنا عن صفاته وبسالته وشجاعته، في معاركه، ويقول أنه: "كان أسداً بين الأسود، وأشجع الشجعان بين أشجع الفرسان، محب للاختصار، قليل الغضب، بعيد عن الجدل، لا يضحك، دائم الابتسامة، قليل الكلام، ومحب للعدل". وأضاف أن: "عظمته جاءت من شخصيته الفريدة، التي جمعت في آن معاً بين التواضع والكرامة، والاتزان والدقة، والطيبة والحزم".


ومن تلك المصادر نعرف أن جلال الدين منغو بيردي كان الابن الأكبر لخوارزم شاه علاء الدين محمد (1200-1220م)، من زوجته آيتشي تشيك، ووريثه في الحكم. ولكن حنق تيركين خاتون والدة خوارزم شاه المتسلطة، وكرهها لآيتشي تشيك، وأولادها. دفعها لرعاية حفيدها كتب الدين أوزلاق شاه وحده، لأن أمه كانت من نفس القبيلة التي انحدرت منها تيركين خاتون المتسلطة. وتحت تأثير أمه قام خوارزم شاه، بمخالفة الأعراف وتجاوز أبنائه الأكبر سناً جلال الدين منغوبيردي، وركن الدين غورسانبتي، واختار ابنه الصغير كتب الدين أوزلاق شاه ولياً للعهد.


ولكن سرعان ما عاد خوارزم شاه عن قراره ذلك، تحت تأثير الهزائم التي تلقاها من أعدائه على أطراف بحر الخزر (قزوين)، وبعد أن وصله خبر وقوع أمه تيركين خاتون في أسر المغول قبل وفاته بمدة قصيرة، حيث دعى أبناءه جلال الدين، وأوزلاق شاه، وآق شاه، إليه وألغى قراره السابق وأعلن وصيته عليهم قائلاً: "من يستطيع الانتقام لي هو ابني جلال الدين فقط، ولهذا أعينه ولياً لعهدي ووريثي في الحكم، وعليكم طاعته".


وبعد وصيته تلك بعدة أيام توفي خوارزم شاه، وعاد الأمراء الثلاثة إلى أورغينتش عاصمة دولتهم (المركز الإداري لولاية خوارزم في أوزبكستان اليوم)، حيث دبر أنصار تيركين خاتون هناك مؤامرة للإطاحة بجلال الدين. ولما علم جلال الدين بالمؤامرة المدبرة ضده غادر المدينة وبصحبته ثلاثمائة فارس، متنازل عن حقه الشرعي في السلطة التي أوصى له بها والده قبل وفاته، مضحياً بمصالحه الخاصة من أجل سلامة وأمن البلاد، وهي الخصال التي لم يتمتع بها أي من إخوته كما ذكرت المراجع التي تحدثت عن الأحداث التي جرت بعد تضحيته وشهدت صراعاً على السلطة استمر بين إخوته، وأدى في النهاية إلى زعزعة الدولة الخوارزمية، وانهيارها تحت ضربات جحافل الغزاة المغول.


وجرى الصراع في ذلك الوقت الذي كانت تحتاج فيه الدولة الخوارزمية لجمع الشمل والاستعداد للتصدي لخطر جيش الغزاة المغول بقيادة جينغيز خان، والمؤلف من المحاربين الذين جمعهم جنغيز خان من القبائل التركية والمغولية والتنغوسية، وشكلوا قوة هائلة، متفوقة في العدد والعدة وفنون الحرب، على كل الحواضر وقبائل الرحل في ما وراء النهر مجتمعة. وكان التصدي لتلك القوة الهائلة يحتاج للاستعداد الجيدة والتنظيم السليم، ولجيش قوي منضبط، وقيادة قائد يعرف أسرار الحرب وفنونها، قائداً يمكنه جمع شمل الجنود ورصهم ورائه للتصدي للعدو. وهي صفات تتحدث المراجع أن جلال الدين منغوبيردي تمتع بها كلها حسب ما ورد في تلك المراجع التاريخية.


ولكن الأسئلة المحيرة التي لم تزل تشغل المؤرخين في آسيا المركزية حتى اليوم، تكمن في حل لغز الأسباب التي منعت السلطان جلال الدين وحالت دونه والنصر النهائي على الغزاة المغول. وأسباب العجز عن وقف زحف جيوش المغول الغازية، رغم تمتع السلطان جلال الدين بكل تلك الصفات التي ميزته عن غيره كقائد عسكري فذ وملهم !؟


ونعتقد أن الجواب يكمن في الخطأ المميت الذي ارتكبه علاء الدين محمد خوارزم شاه قبل الحرب وذكرته المراجع التاريخية، عندما جمع مجلس الحرب وبحث معهم أمور الدفاع، وليس أمور الحرب كما كانت تتطلب الظروف. حيث تطالعنا المراجع التاريخية بأن جلال الدين منغوبيردي، وشهاب الدين خيوائي وغيرهم من القادة العسكريين، اقترحوا أثناء المجلس حشد جيش جرار موحد، وانتهاز الفرصة والمكان المناسبين، لقتال الأعداء على أرض مكشوفة.


ولكن الذي حدث أن خوارزم شاه علاء الدين محمد بدلاً من الاستجابة لهم، تفرد بالرأي، وأصدر أوامره بتقسيم الجيش الخوارزمي المتفوق على العدو عدداً بنحو ثلاث مرات، وتوزيع القوات على المدن الصغيرة والكبيرة في الدولة، مما حرمها من عنصر التفوق العددي، وأوقعها في فخ التحصن للدفاع، وهي مجزأة. بدلاً من المبادرة بالهجوم كما اقترح عليه قادته العسكريون، والاستفادة من عنصر التفوق والمباغتة. وهو بذلك يكون ودون تقدير للموقف قد قدم أكبر خدمة للمغول الغزاة، وأعطاهم النصر هدية على طبق من فضة.


ورغم ذلك، فإننا نطالع في المراجع التاريخية أيضاً أخبار انتصارات السلطان جلال الدين قبل معركة بروان الفاصلة مع المغول، وانتصاراته وإجباره الغزاة المغول على تذوق طعم الهزيمة ثلاث مرات: كانت الأولى: بالقرب من بلدة نسي القريبة من مدينة عشق آباد (عاصمة تركمانستان اليوم). والثانية: كانت بعد فترة قصيرة في قندهار (أفغانستان اليوم)، والثالثة: كانت بالقرب من تشاري كار.


فالمعارك كما هو معروف في القرون الوسطى كانت قبل كل شيء تعتمد على حنكة وتصرف القائد، وهو ما تناولته المراجع التاريخية في وصفها لمعركة علاء الدين محمد خوارزم شاه، ضد أكبر أبناء جينغيز خان، جوتشي التي دارت رحاها عام 1217م على سهب تورغاي. وكان الجناح الأيمن لجيش خوارزم شاه تحت قيادة جلال الدين. وحسب رواية جويني، أن السلطان جلال الدين أسرع لنجدة أبيه، عندما بدأ المغول بالتقدم نحو قلب قوات خوارزم شاه التي كان يقودها بنفسه، ونجح في سحق هجوم المغول. مما أجبر جينغيز خان على زج شيغي خوتخو أحد قادته المشهورين على رأس جيش مؤلف من 45 ألف رجل، في أتون المعركة التي جرت في سهب بروان (بالقرب من غزنة). ويذكر جويني أن السلطان جلال الدين تمكن خلال المعارك التي استمرت لمدة يومين كاملين من إلحاق الهزيمة النكراء بهم.


وبعد أن اقتنع جينغيز خان بأن السلطان جلال الدين يشكل خطراً جسيماً على المغول، جمع جيشه وتوجه بنفسه إلى غزنة معقل السلطان جلال الدين، الذي لم يحالفه الحظ هذه المرة في مواجهة التفوق الذي تمتع به جيش جينغيز خان. وفقد الفرصة التي أتيحت له، لإصلاح الخطأ الجسيم الذي ارتكبه والده علاء الدين محمد خوارزم شاه أثناء الإعداد للحرب القادمة والتي كان لا مفر منها.


ونعتقد أن ضياع تلك الفرصة كان السبب الرئيسي للمصير الذي واجهه السلطان جلال الدين منغو بيردي، وأرجاء واسعة من العالم الإسلامي، الذي لم يتحد آنذاك لمواجهة العدو المشترك والمحنة والخطر المحدق. وإيثار الكثيرين من القادة العسكريين في العالم الإسلامي آنذاك مصالحهم الخاصة على المصالح العامة، مما أدى للفرقة والتشرذم والهزيمة النكراء التي لحقت بالعديد منهم. وكان من أسبابها أيضاً الصراعات الأنانية قبل المعركة، وتصادمهم أثناء الحرب عند اقتسام الغنائم. إذ تطالعنا المراجع بحادثة وقع خلالها الخلاف بين بعض القادة العسكريين للسلطان جلال الدين على فرس من بين الغنائم، وأدى هذا الخلاف لانسحاب ثلاثة من قادته وتركهم ساحة المعركة، وهم سيف الدين أغراق، وأعظم مالك، ومظفر مالك، مع القوات التي قادها كل منهم وبلغت ثلاثين ألف مقاتل لكل واحد منهم، مما حرم السلطان جلال الدين من تسعين ألف مقاتل مرة واحدة بسبب فرس واحدة، وتركه لوحده في مواجهة جحافل المغول الذين تمكنوا بعد ذلك من سحقهم الواحد تلو الآخر.


مما اضطر السلطان جلال الدين على مغادرة معقله والتوجه إلى الهند، ليواجه الكارثة التي خبأها له القدر أثناء إعداد قواته للمراكب تمهيداً لعبور نهر السند (الهند)، حيث لحق به جينغز خان على رأس جيش جرار. لتبدأ المعركة الفاصلة بين الطرفين في 24/11/1217م، وهي واحدة من أكثر المعارك غير المتكافئة بين الجانبين في تاريخ الصراع الدموي بينهما. وقد وصف الجويني تلك المعركة في كتابه على الشكل التالي:


"عند الفجر، ومع الخيوط الأولى للشمس حوصر السلطان (جلال الدين) بين الماء والنار. فمن جانب نهر السند، ومن الجانب الآخر الجيوش الملتهبة كالنار. وهذا لم يصب السلطان بالهلع، وسارع وأعد جيشه للمعركة، وبرجولة وبأس أشعل نار المعركة والحرب، وامتطى جواده، واختار طريق النزال مع الجيوش المنتصرة للسموات السبع (كما كان يسميها جينغيز خان)، انقض جيش المغول على خط الدفاع الأول الذي قاده أمين مالك، ودب الذعر فيه، وسحق معظم المقاتلين في صفوفه، فاضطر أمين مالك إلى الفرار باتجاه بيشاور طلباً للنجاة، ولكن المغول المتربصين على الطريق قتلوه وهو في منتصفه. وألحق المغول الهزيمة بميسرة القوات أيضاً. ولكن السلطان صمد في مع قوات القلب مع 700 من المقاتلين الأشداء، الذين قاتلوا ببسالة من الصباح وحتى الظهر. وراح جلال الدين على صهوة جواده ينقض من الميسرة إلى الميمنة، ومن الميمنة يهاجم القلب يعمل سيفه بالأعداء.


وراح طوق جيش جينغيز خان يضيق كل ساعة ويقترب، مقلصاً ساحة المناورة على السلطان. واستجابة لإلحاح ابن عمه أخوش مالك المتواصل، رجع السلطان جلال الدين خوارزم شاه إلى مقره، مودعاً أولاده وأقربائه والدموع تنهار من عينيه. وأمر بإحضار جواد من الاحتياطي، وامتطاه، وألقى بنفسه في أتون المعركة مرة أخرى. مجبراً جيش المغول على التراجع، وأرخى العنان لجواده ونزع عن نفسه الدروع، وضرب جواده بالسوط، وكالسبع الغضنفر، عبر النهر وبلغ شاطئ الأمان.


فما كان من جينغيز خان، الذي شاهد كل تلك البسالة إلا أن اقترب من شاطئ النهر على صهوة جواده. وتوجه إلى أبنائه قائلاً: "ابن أبيه يجب أن يكون هكذا ! طالما أنه تمكن من الخروج سليماً من معركة كهذه، وانسل من بين خيوط عنكبوت كهذه إلى شاطئ الأمان، ففيه الكثير من الفعل والغضب!".


وبعد عبور جلال الدين لنهر السند، جمع ما تبقى من جيشه، وحاول الاتصال بحكام دول شمال الهند. ولكنه لم يستطع التشبث في تلك الأرض، ولم يجد حليفاً له فيها. فاجتاح خراسان، واستولى في عام 1224م على أذربيجان. مدشناً مرحلة جديدة من تاريخه شملت حروباً داخل العالم الإسلامي هذه المرة شملت أذربيجان، وخراسان (إيران)، والعراق، وكرجستان (جورجيا)، وآسيا الصغرى (تركيا).


ورغم تضارب أخبار حياة وبطولات جلال الدين منغوبيردي في المراجع التاريخية، إلا أننا نصادف تقارباً في تناولها لتوجهاته الدبلوماسية نحو الدول المجاورة. ورغم أن بعض المؤرخين اعترفوا للسلطان جلال الدين منغوبيردي بالقيادة والحنكة والشجاعة كمقاتل فذ، نراهم ينتقدون سياسته ودبلوماسيته حيال الدول المجاورة. ولكن الدراسة الدقيقة للحقائق الواردة في المصادر التاريخية، تساعدنا على إلقاء قليلاً من الضوء على مدى صعوبة العلاقات التي كانت قائمة بحد ذاتها بين دول الجوار في تلك الحقبة من تاريخ العالم الإسلامي.


إذ تذكر بعض المراجع الكثير من المحاولات المتكررة التي قام بها السلطان جلال الدين، واستمرت حتى وفاته تقريباٌ في محاولة لكسب الحلفاء. وتذكر المراجع أنه توجه إلى الخليفة العباسي في بغداد، وسلطان قونية السلجوقي علاء الدين كايكوبار، وحاكم مصر مالك أشرفي، وغيرهم، طلباً للعون والمساعدة ضد الغزو المغولي. وتذكر المراجع التاريخية أيضاً حقائق إما عن إحجامهم أو تأخرهم في تقديم المساعدة اللازمة، التي طلبها منهم السلطان جلال الدين.


وتتحدث المراجع التاريخية أيضاً عن قيام الإسماعيليين الذين عرفوا نقاط ضعف السلطان جلال الدين خوارزم شاه، وما وصلت إليه أحواله من وهن وضعف، بإبلاغ المغول بكل تلك النقاط. مما ساعدهم على مباغتته في معقله في آب/أغسطس عام 1231م، فما كان من جلال الدين إلا أن أصدر أمره لأورخان أحد أمرائه بمشاغلة العدو، وتوجه هو وحيداً على صهوة جواده إلى الجبال، ليقع في قبضة بعض الأكراد بإحدى القرى الجبلية، الذين لم يصدقوا أن أسيرهم هو السلطان جلال الدين منغو بيردي خوارزم شاه بنفسه. وفي الأسر أصابه أحده الأكراد بجرح قاتل من رمحه انتقاماً لمقتل أخ له خلال واحدة من الحملات التي جردها جلال الدين لإخضاعهم لحكمه وسلطانه. لتنتهي بذلك قصة حياة قائد اهتزت له جيوش المغول، وليسقط صريع ضربة رمح من حاقد عليه، ضربة أسدلت الستار على تاريخ مرحلة صعبة من مراحل المحن التي عاشها العالم الإسلامي منذ نهاية القرن الثاني عشر الميلادي ولم تزل تتردد أصداؤها حتى اليوم. ولكن موت السلطان جلال الدين منغو بيردي خوارزم شاه لم ينهي الأساطير التي دارت حوله. والغزو الخارجي للعالم الإسلامي لم يتوقف ولو للحظة واحدة منذ ذلك التاريخ، الغزو الذي أطبق على العالم الإسلامي في آن معاً من كل الجهات.


والطريف أن بعض المراجع التاريخية، تحدثت عن تفشي الشائعات بين الناس بعد موت السلطان جلال الدين. الناس الذين لم يصدقوا نبأ وحقيقة موت السلطان، فراحوا يروجون أنباء تبشر بأن السلطان يجمع الجيوش لمواجهة المغول. وحول ذلك يذكر الجويني في كتابه، "أنه رغم مقتل السلطان جلال الدين منغو بيردي تفشت شائعات خلال تلك السنوات، بين الحين والآخر، تناقلها الناس تذكر وكأنهم شاهدوا السلطان وقد لبس الخرق وأصبح متصوفاً". ويذكر الجويني أيضاً أن شخصاً ادعى أنه السلطان جلال الدين في عام 1236م وحارب الغزاة المغول، مما دعى أمراءهم لجلب بعض الأشخاص من الذين عرفوا جلال الدين شخصياً، ليكذبوا إدعاءات ذلك الرجل الذي وقع في أسرهم وأمروا بإعدامه. ويذكر الجويني أيضاً أنه في عام 1254م، أي بعد 23 عاماً من مقتل السلطان جلال الدين منغو بيردي ظهر شخصاً آخر ادعى أنه السلطان جلال الدين خوارزم شاه، وأصر على أنه السلطان رغم التعذيب الذي واجهه، ليواجه مصير الإعدام كغيره على أيدي المغول الذين ترسخت أقدامهم في المنطقة حتى ذلك التاريخ. لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل تاريخ ما وراء النهر عرفت بالمرحلة المغولية، بعد اعتناق المغول أنفسهم الدين الإسلامي واختلاطهم بسكان المنطقة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق