الجمعة، 5 فبراير 2010

آفاق التعاون الأوزبكي العربي

آفاق التعاون الأوزبكي العربي
كتبها الدكتور زاهيد الله منوَّاروف: أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية، وكبير مجموعة الباحثين العلمين في الشؤون السياسية والاقتصادية بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية. ينشر في الدوريات الأوزبكية والأجنبية والعربية. والدكتور محمد البخاري: أستاذ مساعد بقسم العلاقات الدولية، وكبير باحثين بمعهد طشقند الحكومي للدراسات الشرقية. ينشر في الدوريات الأوزبكية والعربية. ( مواطن سوري مقيم في جمهورية أوزبكستان ). نشرت في مجلة السياسة الدولية العدد 128/1997.
استطاعت أوزبكستان خلال الخمس سنوات الماضية منذ إعلانها لاستقلالها، في 31/8/1991، السير على طريق تطور خاص بها، والنهوض باقتصادها الذي كان في السابق عبارة عن اقتصاد زراعي تابع بكليته للإتحاد السوفييتي السابق، ومصدراً للثروات الطبيعية اللازمة لصناعاته. وأصبحت عضواً كامل الأهلية في المجتمع الدولي، بعد اعتراف جميع دول العالم تقريباً بها، وانتسابها لعضوية أكثر المنظمات الدولية الهامة.
وتعبر التغيرات الجذرية الجارية في الجمهورية حالياً عن سعيها الدائم والمستمر للتكامل مع المجتمع الدولي. الأمر الذي يتطلب اتخاذ جملة من الإجراءات الجوهرية في سياستها الخارجية، وعلاقاتها الاقتصادية الخارجية.
ومن الطبيعي أن يعترض سبيل هذه المتغيرات الجديدة مصاعب شتى تدركها تماماً قيادة الدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية إسلام كريموف الذي أشار في إحدى كلماته إلى حقيقة هامة هي أنه ( لا أحد هنا يبني سراب الانتقال السهل للعالم الجديد ).[1]
وأوزبكستان كدولة أغلبية سكانها العظمى من المسلمين ركزت جهودها من الأيام الأولى للاستقلال على تطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية مع بلدان العالم الإسلامي، وفي مقدمتها الدول العربية. وجاءت الخطوات الأولى لتطوير التعاون مع الدول العربية خلال الزيارات الرسمية الأولى التي قام بها الرئيس إسلام كريموف للخارج وشملت المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية عام 1992.
وترتبط أهمية تطوير التعاون مع الدول العربية بجملة حقائق سياسية واقتصادية ودينية وثقافية ثابتة ربطت الشعوب العربية بشعوب آسيا المركزية عبر تاريخهم المشترك الطويل، والذي لم تتمكن روسيا القيصرية ولا القيادة السوفييتية التي جاءت بعدها من القضاء عليها.
وأوزبكستان اليوم تنظر إلى علاقاتها مع الدول العربية من خلال المنظور الإستراتيجي الذي يعتمد على الحقائق التاريخية المشتركة، والمصير المشترك والمصالح المشتركة التي تتقاسمها مع الدول العربية. يضاف إليها الظروف المثالية التي تؤهل أية علاقات تجارية واقتصادية ومالية للتطور الناجح الذي يضمن المصالح المشتركة لجميع الأطراف. سيما وأن أوزبكستان تنظر إلى الدول العربية كمنظومة متميزة ومؤثرة داخل المجتمع الدولي، ولها وزنها المؤثر في المتغيرات العاصفة بنظام العلاقات الدولية، لما بعد انهيار المنظومة الاشتراكية بقيادة الإتحاد السوفييتي السابق، هذا النظام الذي طرح معه هيمنات دولية جديدة.
وجمهورية أوزبكستان الفتية تشهد اليوم نشاطات مالية واقتصادية وعلمية وثقافية ودينية وسياسية بمبادرة من بعض المؤسسات العربية ، التي لابد وأن تكون بحال من الأحوال، امتداداً للخط السياسي الخارجي لتلك الدول المعنية.
وهذا يوضح أنه هناك اهتماماً مشتركاً يجمع بين أوزبكستان والدول العربية لتنشيط العلاقات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية، تنطلق ليس من الاعتبارات التاريخية وحسب، بل ومن حقائق سياسية واقتصادية مفادها الدور الهام لجمهورية أوزبكستان فـي آسيا المركزية بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، وقيام رابطة الدول المستقلة. وامتلاكها لاحتياطي هام من الثروات الطبيعية وإنتاجها للمواد الأولية اللازمة لصناعات كثيرة، ومصادر الطاقة المتنوعة الكافية لتطوير البنية الأساسية للاقتصاد الوطني المستقل. إلى جانب الكوادر الفنية والعلمية المدربة. والتي يمكنها مجتمعة أن تكوِّن الأساس الذي يعتمد عليه المستقبل الباسم للسياسة الاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية المستقلة لجمهورية أوزبكستان. والأساس المتين لأي تعاون أو شراكة مع الدول العربية في المستقبل، ومجالاً رحباً لاستثمار وتوظيف رؤوس الأموال العربية.
فأوزبكستان اليوم تشغل المركز الرابع في إنتاج القطن، والمركز الثاني في تصديره بين دول العالم المنتجة للقطن. حيث يبلغ إنتاجها من هذه المادة الحيوية أربع ملايين طن سنوياً. وتنتج أكثر من ثلاثين ألف طن من شرانق الحرير الطبيعي، إلى جانب التنوع الكبير في المحاصيل الزراعية وخاصة في إنتاج الخضروات والفواكه التي يبلغ إنتاجها السنوي أكثر من ثلاثة ملايين طن، وتقف كلها على قائمة صادرات الجمهورية، ولابد أنها موضع اهتمام المستثمرين العرب.
وعند الحديث عن الثروات الباطنية والتي تشمل الذهب والفضة وغيرها من المعادن الثمينة، والغاز الطبيعي والبترول، نرى أن أوزبكستان تشغل اليوم المركز الرابع في إنتاج واحتياطي الذهب في العالم حيث يبلغ إنتاجها السنوي من الذهب 70 طناً.[2] وكانت أوزبكستان خلال سنوات السلطة السوفييتية تنتج ثلث الذهب المنتج في الإتحاد السوفييتي السابق، وحافظت على مركزها اليوم بين دول رابطة الدول المستقلة، حيث تشغل المركز الثاني بعد جمهورية روسيا الاتحادية في إنتاج الذهب. ( أرقام عام 1995 تذكر أن روسيا الاتحادية استخرجت 130 طناً من الذهب ).[3]
وإضافة للذهب أكتشف ويستثمر جزئياً مناجم لـ 96 معدناً بينها التيتان والمنغنيز والفضة والنحاس والزنك والسترونتيوم واليورانيوم وغيرها من المعادن. وقد أرسيت قاعدة قانونية ملائمة لمشاركة المستثمرين الأجانب في استثمار وتطوير هذا الاتجاه الهام في الاقتصاد الوطني الأوزبكي.
وتعتبر أوزبكستان اليوم من كبار مصدري الغاز الطبيعي في رابطة الدول المستقلة، حيث تستورده بعض دول الرابطة من أوزبكستان ليشكل أحد عوامل استقرار الدخل الوطني الأوزبكي.
وبعد اكتشاف الآبار الكبيرة للبترول في قشقاداريا ووادي فرغانة في الفترة الأخيرة، توسع استثمار البترول الوطني لحد الاكتفاء الذاتي من مشتقات البترول بعد أن كانت أوزبكستان ولسنتين خلت تستورد احتياجاتها من مشتقات البترول من روسيا الاتحادية وقازاقستان. وتطمح جمهورية أوزبكستان، أن تصبح في المستقبل بين الدول المصدرة للبترول ومشتقاته، وللصناعات البتروكيماوية. ومما يشجع هذا الأمل الاحتياطي الكبير للآبار المكتشفة مؤخراً، ومنها البئر المكتشفة في منطقة منغبولاق عام 1992 الذي بلغ إنتاجه تحث تأثير الضغط الطبيعي عشرة آلاف متراً مكعباً من النفط في اليوم حتى تمت السيطرة عليه.[4]
والدول العربية تملك صناعات بترولية متطورة، وهي تتصدر قائمة المصدرين العالميين لهذه المادة الإستراتيجية الهامة، ويعتبر مجال التعاون المشترك في إنتاج وتصنيع البترول ومشتقاته والصناعات البتروكيماوية من المجالات الحيوية للتعاون العربي الأوزبكي، ولتوظيف رؤوس الأموال العربية في مشروعات تدخل فيها الخبرات العربية أيضاً.
ولابد عند التطرق إلى الخبرات من الإشارة إلى الموقع الهام الذي تشغله أوزبكستان اليوم بالمقارنة مع الدول المجاورة لها، من حيث القاعدة العلمية والتكنولوجية المتطورة التي تملكها، وتضم أكثر من خمسين مؤسسة للتعليم العالي، وأكثر من أربعين مركزاً للبحث العلمي. شاركت كلها خلال العهد السوفييتي ولم تزل في إعداد الكوادر العلمية المدربة للعديد من الدول العربية. وتشكل اليوم قاعدة صلبة للتعاون العلمي المثمر مع المؤسسات العلمية العربية.
والتعاون يمكن أن يشمل ليس إعداد الكوادر العلمية والتقنية وحسب، بل وفي سد احتياجات بعض الدول العربية من اليد العاملة الخبيرة والمدربة، من فائض اليد العاملة في جمهورية أوزبكستان. هذا الفائض الذي تشكل نتيجة للسياسة السوفييتية التي طبقت في آسيا المركزية بشكل عام وأوزبكستان التي يشكل سكانها الثلاثة والعشرون مليوناً 40% من سكان آسيا المركزية مجتمعة، بشكل خاص.
والملاحظ أن العديد من بلدان العالم كانت سباقة للاستفادة من سياسة الانفتاح على العالم الخارجي الذي تتبعه جمهورية أوزبكستان وكان لها السبق في جني ثمار الاستثمار والاستثمار المشترك، حيث بلغ عدد المؤسسات المشتركة المسجلة والعاملة على الأراضي الأوزبكية أكثر من 1300 مؤسسة في عام 1994، إضافة لتوقيع 32 اتفاقية بين الحكومة الأوزبكية والمؤسسات المصرفية لعشرات الدول الأجنبية، دخلت كلها حيز التطبيق منذ أواسط العام الماضي، بلغت قيمتها الإجمالية حوالـي مليـار ونصـف المليـار دولار أمريكـــي.[5]
ومن نظرة في قائمة الشركات المستثمرة في أوزبكستان نطالع أسماء شركات عالمية مشهورة مثل: نيومونت، وكوكاكولا، وبيبسي كولا، ورينغ كسيريكس، وبات إنفيست متنتس، ومرسيدس بينز، وكاتل، وديوكوربوريشن، وبورسيل، وبيللر، وغيرها.
وفي سبتمبر/أيلول من عام 1993 وقعت حكومة أوزبكستان عقداً بقيمة 500 مليون دولار أمريكي مع الشركة الكورية الجنوبية ( ديو ) لبناء مصنع لإنتاج السيارات بطاقة إنتاجية إجمالية 180 ألف سيارة في العام، أقيم بمحافظة أنديجان المكتظة بالسكان. ودخل هذا المصنع حيز الإنتاج الفعلي هذا العام. ليؤهل أوزبكستان لتصبح في عداد الدول المصدرة للسيارات الخفيفة في العالم.
وفي ديسمبر/كانون أول من نفس العام وقعت الحكومة الأوزبكية عقداً بقيمة 250 مليون دولار أمريكي مع شركة ( لونرو ) لتحسين استثمار مناجم الذهب في وادي زرفشان
وبرهنت النتائج الملموسة بُعد نظر ودقة الحسابات التي قامت عليها مثل هذه الاستثمارات الضخمة التي شارك فيها مستثمرون أجانب.
ومع الواقع الذي يبرز التطور السريع للعلاقات الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية مع البلدان الأوربية والأمريكية والآسيوية، نلاحظ تواضع علاقات التعاون مع البلدان العربية التي تشغل اليوم في السياسة الخارجية والعلاقات الاقتصادية الأوزبكية مكانة لا تتناسب والوزن الهام الذي تتمتع به المجموعة العربية في العلاقات السياسية والاقتصادية في العالم المعاصر. وكذلك نلاحظ قلة في المشاركة العربية بين المنظمات والهيئات الدولية العاملة في المجالات الاقتصادية والتجارية في أوزبكستان، إضافة للسلك الدبلوماسي المعتمد في الجمهورية حيث نرى أن مصر والأردن والجزائر وفلسطين فقط افتتحت سفارات لها في العاصمة طشقند. وأن جمهورية مصر العربية وحدها انفردت بين الدول العربية في افتتاح مركز العلوم والتعليم بطشقند لرعاية المصالح الثقافية والعلمية العربية وتوسيع هذه العلاقات في الجمهورية، واستطاع هذا المركز خلال فترة قصيرة من إقامة علاقات واسعة مع المؤسسات العلمية والتعليمية والمهنية الأوزبكية، وتوسيع التبادل العلمي بين البلدين.
ولمن الصعوبة بمكان التكهن بأسباب هذا الإبطاء أو التأخير في ردة الفعل العربية حيال التغييرات الجذرية الجارية في أوزبكستان، والتغيرات الهامة الجارية على الساحة الدولية. ولمن الصعوبة أيضاً التكهن بالمدى الذي يمكن أن يستمر معه تأخر السياسة الخارجية العربية عن غيرها من مراكز الثقل العالمي في إقامة وتوسيع العلاقات مع جمهوريات آسيا المركزية بشكل عام.
ويحلل بعض خبراء السياسة الدولية سلبية السياسة الخارجية العربية حيال جمهوريات آسيا المركزية، منذ مطلع التسعينات أي مع انهيار الإتحاد السوفييتي السابق وحتى اليوم ويرجعونه إلى الرغبة في انتظار النتائج حماية لمستقبل علاقاتهم مع جمهورية روسيا الاتحادية التي لم تزل تحتفظ رغم كل الظروف بمركزها كدولة عظمى في المجتمع الدولي الجديد. إضافة لحقيقة عدم تفهم بعض الدول العربية لحقيقة الأوضاع الجديدة التي ترتبت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، والدور الجديد الذي تلعبه جمهوريات آسيا المركزية حديثة الاستقلال في معادلة العلاقات الدولية الجديدة في العالم، والتجمع الجديد الذي تشكل من بعض جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق والذي عرف باسم رابطة الدول المستقلة.
واشتركت أوزبكستان في هذا التجمع كنتيجة طبيعية للعلاقات المشتركة الكثيرة والهامة التي تربط بين دول هذا التجمع عبر قرن تقريباً، ومن فهمها أنه من غير الطبيعي قطع هذه العلاقات الحيوية التي تربط بينها وبين الجمهوريات المستقلة عن الإتحاد السوفييتي السابق بما فيها جمهورية روسيا الاتحادية. التي اعترفت باستقلال جمهورية أوزبكستان عام 1992 وتبادلت التمثيل الدبلوماسي معها على مستوى السفراء.
ولابد أيضاً أنه من المحتمل أن يكون تفسير هذا البطء، سرعة المفاجأة في انهيار المنظومة الشيوعية وعلى رأسها الإتحاد السوفييتي، التي لم تستطع معها العديد من بلدان العالم من تحديد موقفها مع هذا الوضع المفاجئ الذي ظهر دون سابق إنذار، حتى من قبل أكثر دول العالم خبرة على الساحة الدولية. ويمكن أن تكون هذه الأسباب أيضاً سبباً لبطء ردة الفعل في السياسة الخارجية العربية حيال أوزبكستان وباقي دول آسيا المركزية.
ومن الأسباب المحتملة أيضاً، حقيقة انقطاع العلاقات المباشرة بين المنطقة والبلدان العربية منذ بدايات الاحتلال الروسي للمنطقة منذ القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الذي شَرَعَ منذ الأيام الأولى للاحتلال إلى قطع كل الصلات الثقافية والتجارية التي كانت تربطها بالمنطقة العربية منذ عدة قرون. وهذا الدور لم يتبدل بعد الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 وقيام الإتحاد السوفييتي، فقد عمدت السياسة الداخلية والخارجية للسلطة السوفييتية أن لا يكون لأوزبكستان أو غيرها من الدول التي تشكلت نتيجة للسياسة السوفييتية في المنطقة، أكثر من الحدود المسموح بها لها، والتي لا تسمح بإقامة أي نوع من العلاقات المباشرة بين آسيا المركزية والدول العربية.
ومن الأسباب المحتملة أيضاً لبطء تطور العلاقات بين الدول العربية وأوزبكستان حرب تحرير الكويت التي رافقت إعلان استقلال جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق، وشغلت الدول العربية عما يجري في مناطق أخرى من العالم.
ورغم كل تلك الأسباب فإننا نراقب تبدلات حقيقية في العلاقات العربية الأوزبكية في الآونة الأخيرة تدفعها نحو الأمام، ونحو تجديد وتطوير وتوسيع وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية والعلمية التي كانت تربط المنطقة العربية بمنطقة آسيا المركزية في القرون الوسطى، ومن الممكن توظيفها اليوم لخلق المسببات التاريخية لدفع وتنشيط العلاقات المتبادلة والمصالح المشتركة في الوقت الحاضر.
ويمكننا هنا التنبؤ بمستقبل يمكن أن تلعبه الدول العربية في القارة الإفريقية، من خلال التعاون العلمي والثقافي، ودراسة الخبرات الاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية المتراكمة في مصر والجزائر وتونس ومراكش لمرحلة ما بعد الاستعمار ، لاستخدام المفيد منها لبناء المجتمع الجديد في أوزبكستان . إضافة للدور الذي يمكن أن تلعـبـه هـذه الـدول وخاصـة جـمهـورية مصـر العربية في السـياسـة الإفريقية لجـمهـوريـة أوزبكستان بعد افتتاح أول سفارة أوزبكية في دولة عربية بالقاهرة.
والدور الذي تلعبه مصر اليوم في العلاقات الأوزبكية العربية، ففي هذا البلد مقر جامعة الدول العربية، والعديد من مقرات المنظمات العربية الإقليمية، والموقع الممتاز الذي تحتله مصر في العلاقات الدولية، ولعل مؤتمر شرم الشيخ الدولي لمكافحة الإرهاب الذي شاركت فيه أكثر من ثلاثين دولة، أحد الأمثلة لهذا الدور الهام إن لم نتحدث عن الدور الفاعل للمنظمات الإفريقية والدولية التي تتخذ من القاهرة مقراً لها.
وحقيقة التعاون العلمي القائم بين أوزبكستان ومصر التي يدرس في جامعاتها في الوقت الراهن عشرات الطلاب الأوزبك. وخدمات الصندوق المصري للتعاون مع رابطة الدول المستقلة والدول الإسلامية الجديدة بوزارة الخارجية المصرية، الذي يساهم اليوم في إعادة تأهيل وتدريب الكوادر الأوزبكية في حقل العمل الدبلوماسي، والشرطة، واستخدام الحاسب الآلي وتقنياته الحديثة، وغيرها من المجالات الهامة منذ عام 1992 وحتى اليوم. وبلغ عدد المستفيدين من خدمات هذا الصندوق أكثر من خمسين خبيراً في مختلف المجالات. إضافة لنشاطات المكتب الإعلامي للسفارة المصرية بطشقند الذي يتمتع بعلاقات ممتازة مع الأوساط الصحفية الأوزبكية، وجهوده الرامية إلى تعريف المجتمع الأوزبكي بالثقافة العربية من خلال المسلسلات والبرامج التلفزيونية التي تبثها القنال الدولية للتلفزيون الأوزبكي بشكل دائم، ويطلع عليها إضافة للمشاهد الأوزبكي المشاهدين في دول أسيا المركزية الأخرى.
وعن دول المشرق العربي في القارة الإفريقية، فإننا نستطيع التنبؤ بتوسع التبادل التجاري والاقتصادي معها، وخاصة في مرحلة ما بعد إحلال السلام العادل في المنطقة وانتهاء المفاوضات السلمية بين الدول العربية وإسرائيل، لتستعيد بلاد الشام موقعها الهام في السياسة الدولية، وموقعها المتميز في السوق السياحية الدولية. وهنا لابد من الإشارة إلى بعض الدول العربية في المشرق العربي التي حافظت منذ زمن طويل على علاقات متميزة مع أوزبكستان، من خلال التعاون في مجالات الري واستصلاح الأراضي والبناء وإعداد الكوادر العلمية اللازمة لتلك المشاريع، والتعاون في مجال تطوير زراعة القطن وغيره من المنتجات الزراعية، كما حدث مع الجمهورية العربية السورية مثلاً.
وفيما يتعلق بدول شبه الجزيرة العربية، نلاحظ دور دول مجلس التعاون الخليجي الذي تربط دوله بأوزبكستان علاقات مالية واقتصادية وتجارية، يمكن أن تتوسع باستمرار. إضافة للموقع الجغرافي الهام الذي تشغله دول هذا المجلس وقربها من آسيا المركزية، وإطلالها على بحر العرب والمحيط الهندي وبالتالي على محيطات العالم. وتركّز مراكز الترانزيت العالمية في موانئها، وخاصة موانئ دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبرأيينا تتميز دول مجلس التعاون الخليجي عن غيرها من الدول العربية، بجملة من المزايا تدفعها إلى مصاف الدول التي تتمتع بالأولوية في التجارة والاستثمار والتعاون المالي والاقتصادي ليس في أوزبكستان وحدها، بل وفي دول آسيا المركزية برمتها. مستفيدة من مشجعات الاستثمار في المنطقة ولا سيما في أوزبكستان. إضافة للخبرة الواسعة لدول مجلس التعاون الخليجي في مجال السياسة المالية الخارجية والاستثمار في الدول الأجنبية. ودورها الفاعل في المنظمات الإقليمية العربية ومؤسسات التنمية الاقتصادية الدولية، ودورها الهام كأكبر المتبرعين في العالم لتمويل المشاريع الإنسانية الدولية، ومشاريع التطوير الاجتماعي والاقتصادي في مختلف أنحاء العالم.
وعن مشجعات الاستثمار في أوزبكستان، أشار رئيس الجمهورية إسلام كريموف أحد واضعي أسس ومبادئ سياسة التطور الاقتصادي في الجمهورية ، ومبادئ سياستها الاقتصادية الخارجية، إليها قائلاً: أن أوزبكستان تتبع سياسة الأبواب المفتوحة مع أولئك المستثمرون الأجانب الذين يقدمون للجمهورية التكنولوجيا المتقدمة بمستوى عالمي، ويساهمون في بناء البنية الحديثة للاقتصاد الوطني.[6]
وقد اتخذت بالفعل جملة من الإجراءات القانونية المشجعة للشركات والمؤسسات الأجنبية، والضامنة للاستثمارات الأجنبية في جمهورية أوزبكستان. ونعتقد أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي مؤهلة ولها مصلحة بالاستثمار في المنطقة والتثبت اقتصادياً فيها، وإتباع سياسة اقتصادية تعود بالفائدة على دول المجلس، ودول آسيا المركزية على حد سواء. سياسة تعيد الصلات التي قطعت قسراً منذ قرن تقريباً، بدأ مع الاحتلال الروسي للمنطقة، وثبتته السلطة السوفييتية، بإغلاق المنطقة أمام دول المشرق العربي وخاصة أمام أكثرية دول شبه الجزيرة العربية.
فلدول آسيا المركزية حسب رأيينا، مصلحة مباشرة، في الاستفادة من أوضاع الدول الخليجية العربية، التي تتجمع فيها مراكز الترانزيت العالمية، ومراكز تجارة الذهب, وتحوّل أسواق بعض الدول الخليجية العربية في الآونة الأخيرة إلى مراكز للنشاط التجاري لمواطني جمهوريات آسيا المركزية، وفي مقدمتها جمهورية أوزبكستان. إذ تشير الإحصائيات الاقتصادية إلى أنه خلال الفترة الممتدة من يونيو/حزيران 1993 وحتى أواسط عام 1995 زار دبي وحدها أكثر من 600 ألف سائح من جمهوريات آسيا المركزية، وبلغ ما أنفقوه على مشترياتهم من أسواقها أكثر من مليار دولار أمريكي.[7]
وتتميز المملكة العربية السعودية من بين الدول الخليجية، في مجال الاستثمار وتوظيف رؤوس الأموال في مشاريع هامة كاستخراج الذهب، حيث تسهم ومنذ سنوات في تطوير مناجم الذهب العاملة في أوزبكستان. هذه المناجم التي أكد الخبراء أكثر من مرة أن العمل فيها واستخراج الذهب صناعياً في أوزبكستان يبشر بمستقبل زاهر ومضمون. وتشير نتائج الدراسات التقنية والاقتصادية المنفذة عام 1983 في منطقة مناجم الذهب ( مهــــد ) وحدها، أن احتياطي هذا المنجم تبلغ 200 ألف طن من الذهب الخام، وأن الطن الواحد منه يحتوي على 26 غراماً من الذهب الخالص. كما وبدأ في الآونة الأخيرة الحديث حول منجم آخر، دخل حيز الاستثمار عام 1994 وينتج أكثر من 5 طن من الذهب الخالص سنوياً.[8]
ونعتقد أن مستقبل العلاقات الأوزبكية السعودية ستتعدى استخراج الذهب، إلى تسويقه وتحديد أسعاره. ومنذ فترة قريبة بدأت إحدى الشركات السعودية الكبرى في مجال البناء ( المباني )، عملها في أوزبكستان كمالكة لثلث أسهم شركة ( كالو هولدينغس كوربوريشن )، وتنوي هذه الشركة توسيع أعمالها الإنشائية في أوزبكستان. وبعد أن برهنت رؤوس الأموال السعودية المستثمرة في أوزبكستان دورها في تطوير وتعزيز الاقتصاد الوطني الأوزبكي، جاء توقيع اتفاقية التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين في المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية وشؤون الشباب في العام الماضي بمثابة قاعدة قانونية لتطوير وتعزيز التعاون القائم بين البلدين وتوسيعه في المستقبل.
وختاماً نريد أن نشير إلى أن للدول العربية مصلحة لا تقل عن مصالح دول آسيا المركزية في إيجاد وتطوير وتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية المشتركة بينها. وأوزبكستان واحدة من تلك الدول التي تسعى لتعزيز وإيجاد وتوسيع مثل تلك العلاقات، من خلال سعيها الدائم لجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتوظيفها في مشاريع محددة يحتاجها الاقتصاد الوطني الأوزبكي، ولإدخال التكنولوجيا المتطورة في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والعلمية. وهذه السياسة الثابتة نلمسها من نظرة سريعة في القوانين السارية في جمهورية أوزبكستان، وتنظم أسس الاستثمار الأجنبي، والضمانات الحكومية لهذه الاستثمارات ومنها ضمانات إخراج الأموال المستثمرة وأرباحها. وتوضح السياسة الحكومية في مجال الاستثمار الأجنبي الهادفة إلى إدخال المشاريع الإنتاجية العملاقة التي تساعد أوزبكستان على تخطي صعابها الاقتصادية حيز الاستثمار الفعلي. وإعادة الإنتاج في المصانع الضخمة القائمة فيها إلى طاقة إنتاجها الفعلية، بعد أن تأثر إنتاجها إثر انهيار الإتحاد السوفييتي السابق. ومنها مصانع الطائرات والجرارات والمعدات الزراعية وآلات الغزل والنسيج وغيرها.
المراجع:
1. إسلام كريموف: هدفنا وطن حر ومزدهر. طشقند، دار أوزبكستان للنشر1994.
2. إسلام كريموف: لقاء مع مجموعة من الأكاديميين. صحيفة برافدا فاستوكا الطشقندية الصادرة بتاريخ 2/9/1995.
3. إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية. طشقند، دار أوزبكستان للنشر 1995.
4. إسلام كريموف: على طريق تعميق الإصلاح الاقتصادي. بيروت 1996. ( باللغة العربية)
5. دستور جمهورية أوزبكستان. دار نشريات 1994.
6. صحيفة ترود الموسكوفية الصادرة بتاريخ 27/2/1996.
7. صحيفة أوزبكستان أوازي الطشقندية الصادرة بتاريخ 15/4/1992.
8. صحيفة الشرق الأوسط. الصادرة بتاريخ 4/6/1995.
9. مجلة الشرق الأوسط اللندنية العدد 42 الصادر بتاريخ 22/11/1992.
10. صحيفة الرياض السعودية الصادرة بتاريخ 14/6/1995.
هوامش:
[1] انظر: إسلام كريموف: هدفنا وطن حر ومزدهر. طشقند، أوزبكستان 1994. ص 155.
[2] انظر: المجلة 1994/ ص 22.
[3] انظر: صحيفة ترود 27/2/1996.
[4] أنظر: صحيفة أوزبكستان أوازي 15/4/1992
[5] أنظر: إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية. طشقند، أوزبكستان 1995 ص 111
[6] انظر:إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية. طشقند- أوزبكستان 1995 ص 107
[7] أنظر: صحيفة الشرق الأوسط. عدد 4/ 6/ 1995
[8] أنظر: مجلة الشرق الأوسط العدد 16- 22/11/1992 لندن ص 40، وجريدة الرياض الصادرة يوم 14/6/1995.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق