الجمعة، 5 فبراير 2010

الجهود الأوزبكستانية لتعزيز الأمن والاستقرار في آسيا المركزية

الجهود الأوزبكستانية لتعزيز الأمن والاستقرار في آسيا المركزية
كتبها أ.د. محمد البخاري: أستاذ بجامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية. بتاريخ 25/6/2001. وأرسلت لصحيفة الاتحاد بأبو ظبي.
شهد حزيران/يونيو الجاري نشاطاً دبلوماسياً ملحوظاً على الساحتين الإقليمية والدولية، في إطار مساعي القيادة الأوزبكستانية للوصول إلى أهداف سياستها الخارجية المعلنة، والتي تتلخص بأولية البدائل الاقتصادية على المفاهيم الأيدلوجية والعلاقات السياسية، والتركيز على الجهود الموجهة لحشد التأييد الإقليمي والدولي لجهود تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة آسيا المركزية، ومكافحة الإرهاب والتطرف الديني والقومي، وتجارة المخدرات، وتهريب الأسلحة، والجريمة المنظمة، التي تتصدى لها الأجهزة الحكومية الأوزبكستانية منذ بضعة سنوات، خاصة بعد أحداث طشقند عام 1999، وأحداث جنوب قرغيزستان والحدود الجنوبية الشرقية لأوزبكستان والتي تكررت مرتين بعد ذلك وراح ضحيتها عشرات المواطنين العزل. وفي نفس الوقت التأكيد على ثوابت الموقف الأوزبكستاني القاضي بتجنب الدخول في أية تحالفات عسكرية موجه ضد أي دولة أو مجموعة من الدول. والسعي لإعلان منطقة آسيا المركزية منطقة خالية من الأسلحة النووية. والعمل على توفير طرق ترانزيت آمنة وقليلة التكاليف لمنتجاتها ومستورداتها عبر الموانئ البحرية في دول الجوار الإقليمي.
رابطة الدول المستقلة في الخطاب السياسي الأوزبكستاني: وفي إطار تلك الجهود كانت مشاركة الرئيس الأوزبكستاني إسلام كريموف في لقاء قمة قادة رابطة الدول المستقلة التي عقدت في منسك عاصمة بيلاروسيا مطلع حزيران/يونيو الجاري. ومن المعروف أن رابطة الدول المستقلة التي مضى على تأسيسها منذ كانون أولديسمبر 1991 قرابة العشر سنوات، كانت الإعلان الرسمي لاختفاء آخر الإمبراطوريات الاستعمارية التي حافظت على كيانها حتى أواخر القرن العشرين، وهي الإمبراطورية التي عرفت باسم "اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية"، ورافق اختفائها ظهور الجمهوريات المستقلة الخمس عشرة على الخريطة السياسية للعالم المعاصر.
واختارت الجمهوريات المستقلة خلال العشر سنوات الماضية ومن بينها تلك الداخلة في عضوية الرابطة طرقاً مختلفة للتطور انطلاقاً من مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتنوعت تلك الطرق وأخذت اتجاهات عدة ظهرت كلها من خلال وجهات نظر متباينة طرحها قادة تلك الدول أثناء وخارج لقاءات القمة العديدة التي عقدتها الرابطة، ومن خلال العلاقات المتعددة التي أقامتها تلك الدول بشكل ثنائي ومتعدد الأطراف ضمن دول الرابطة وخارجها. مما دعى بعض المعلقين والمراقبين السياسيين أكثر من مرة للإشارة إلى عدم الوضوح في اتجاهات عمل هذه المنظمة الإقليمية، وصعوبة التنبؤ بمصيرها، إضافة لغياب الثقة المتبادلة والكاملة بين تلك الدول، وتفاقم الصراعات المختلفة داخلياً وإقليمياً مثال ما يجري حالياً في القوقاز وآسيا المركزية.
وأسباب ذلك على ما نعتقد هو تركيز بعض الدول الأعضاء على إضفاء الطابع السياسي على الرابطة، واستخدامها لأغراض ومصالح سياسية بحتة لا تخدم وتستبعد هدف التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وهو الهدف الذي سعت وتسعى إليه أوزبكستان وبشكل دائم ويظهر للعيان من خلال علاقاتها الإقليمية والدولية. وهو ما أشار إليه أنور باباييف المعلق السياسي لوكالة الأنباء الأوزبكستانية الرسمية "أوزا" في إحدى مقالاته التي ذكر فيها أنه: بدلاً من تحسين العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء نرى أنها أخذت تشكل "ثنائيات" و"رباعيات" و"خماسيات" فيما بينها، لم تتعدى حتى الآن إطار توقيع الاتفاقيات والبيانات الرنانة.
وعلى كل الأحوال فإنه من الصعب جداً تحقيق أية فائدة من رابطة لدول تتفاوت فيها مستويات التطور، والإمكانيات البشرية والاقتصادية والسياسية بشكل كبير، ذلك التفاوت الذي أخذ بالتبلور والوضوح أكثر فأكثر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وقطع الروابط الاقتصادية التي كانت قائمة بين تلك الدول في إطار الاقتصاد المركزي المخطط الذي كانت تقوده موسكو وفقاً للمصالح الإستراتيجية للاتحاد السابق. وعلى سبيل المثال نرى أن كلاً من طاجكستان في آسيا المركزية، وبيلاروسيا في القسم الأوروبي من الاتحاد السابق، ورغم المسافة الكبيرة الفاصلة بينهما والتي تبلغ آلاف الكيلومترات، تلتقيان في عضوية "الرابطة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية"، رغم انعدام العلاقات التجارية بينهما تقريباً.
وفي إطار هذا الواقع جاء اللقاء الأخير لقادة الدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة، وفي ظروف أكثر إلحاحاً لإظهار نوايا ومساع موجهة أكثر نحو التعاون العملي في المستقبل. خاصة وأن الظروف الدولية الراهنة المحيطة بتلك الدول تفرض عليها أن لا تقتصر علاقات الصداقة القائمة بينها على الأحاسيس والمشاعر الصادقة فقط، بل تأكيد وتعزيز الشراكة والتعاون القائم بين تلك الدول بكل ما يعني ذلك من معنى. وهو ما دفع القادة الذين اجتمعوا في منسك عاصمة بيلاروسيا في 5/6/2001 إلى استعراض بعض تلك المسائل الملحة اللازمة لتعزيز الشراكة والتعاون الهش القائم.
وظهر ذلك جلياً من خلال الأحاديث التي أدلى بها القادة المجتمعون في منسك لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، مما دفع ببعض المراقبين والمحللين بالتفاؤل بسبب ظهور آراء إيجابية تتحدث عن تطور مستقبلي لآلية عمل رابطة الدول المستقلة، وظهور ولو في الأفق نقاط مشتركة بين قادة تلك الدول الأعضاء تفرض ضرورة تطوير عمل أجهزة الرابطة من خلال وجهة النظر تلك. خاصة وأن الأنباء تحدثت أكثر من مرة عن المفاوضات الثنائية الجارية بين بعض تلك الدول والتي تكثفت في الآونة الأخيرة باتجاه إنشاء مناطق تجارة حرة بينها. وأن تلك الدول قد بدأت فعلاً بالعمل لمواجهة أخطار الظروف الراهنة التي تواجهها، ومنها على سبيل المثال الوثيقة التي أقرها لقاء منسك الأخير من أجل التصدي المشترك للجريمة في مجال المعلومات وشبكات الحاسب الآلي. خاصة وأن الاهتمام في مواجهة الجريمة ضمن إطار رابطة الدول المستقلة قد ازداد مؤخراً مما دعى القادة في لقاء منسك للاتفاق على القيام بعمليات مشتركة لمواجهة الجريمة المنظمة، وتهريب الأسلحة والمخدرات، والمواد الثقافية القيمة، والعاديات الأثرية والمعادن الملونة، والمنتجات الخاضعة للضرائب، والتصدي للهجرة غير القانونية، ومكافحة الجريمة على طرق الترانزيت الدولية، وجرائم تجارة السيارات.
ولكن الأهم في لقاء منسك كان اعتراف القادة المجتمعين هناك ولأول مرة بضرورة أن تحترم الرابطة المصالح القومية العليا لكل دولة من الدول الأعضاء، وأن تؤخذ المصالح الحيوية تلك أساساً تبني عليه كل دولة من الدول الأعضاء في الرابطة سياستها الإقليمية والدولية الخاصة بها، وتوضع في مقدمة الأوليات عند الانضمام إلى أي جهاز من أجهزة الرابطة. وأن تكون عضويتها في الرابطة أساساً مبنية على مبادئ تحقيق المصالح القومية القائمة والمصالح المشتركة والفوائد المتبادلة. وتحقيق هدف تطوير التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وتقوية العلاقات الثنائية بينها لتكون أساساً لإقامة علاقات جماعية متساوية يمكن من خلالها تنسيق السياسات الخارجية للدول الأعضاء في إطار رابطة الدول المستقلة. وهو الأمر الذي يتمسك به الخطاب السياسي للقادة الأوزبك، وظهر في الدعوة التي وجهها الرئيس الأوزبكستاني إسلام كريموف في لقاء منسك الأخير وسبق ودعى إليها في أكثر لقاء ومن مناسبة إقليمية ودولية.
ففي المجال الاقتصادي مثلاً كان قد تم في عام 1994 التوقيع على اتفاقية لتأسيس مناطق تجارة حرة ضمن الرابطة لم تدخل حيز التطبيق حتى الآن. ورغم حديث كل الدول الأعضاء عن حيويتها وضرورة تنفيذها في كل اللقاءات التي عقدت ضمن إطار رابطة الدول المستقلة منذ ذلك التاريخ، ورغم التقدم البطيء الذي حدث في منسك في هذا الاتجاه فإننا نستطيع القول بأن الاتفاقية لم تزل معطلة وبعيدة عن التنفيذ حتى في المستقبل القريب.
أما عن المسار الأمني الشغل الشاغل لبعض قادة الدول الأعضاء في الرابطة والقيادة الأوزبكستانية من بينها، فقد كان الرئيس إسلام كريموف دعى في لقاء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا المنعقد في اسطنبول في تشرين ثاني\نوفمبر 1999 إلى إقامة مركز لمكافحة الإرهاب الدولي تابع لمنظمة الأمم المتحدة. وجدد دعوته تلك في لقاء قادة دول رابطة الدول المستقلة، الذي جاء بعد لقاء اسطنبول. وتم مناقشة الموضوع في إطار الرابطة دون التوصل إلى نتائج محددة. ورغم تسارع الأحداث التي تدعوا إلى ضرورة إنشاء مركز كهذا من وجهة النظر الأوزبكستانية، فإننا نرى أن بعض الدول الأعضاء في الرابطة تخلط بين مهام هذا المركز الموجهة نحو محاربة التطرف والإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات والجريمة المنظمة، وبين مهام مجلس معاهدة الأمن الجماعي لرابطة الدول المستقلة الذي هو بمثابة حلف عسكري موجه ضد الغير من منظور الموازنات الدولية القائمة حسب وجهة النظر الأوزبكستانية، مما أدى لانسحابها منه قبل ثلاث سنوات وقناعتها بأن المعاهدة ليست سوى حبراً على الورق لا أكثر.
وجاء هذا القرار بالانسحاب رغم إدراك القيادة الأوزبكستانية لأهمية مجلس معاهدة الأمن الجماعي كما أكده الخطاب السياسي للقادة الأوزبك. ومع ذلك فإن القيادة الأوزبكستانية ركزت جهودها كما نرى، وأعطت الأولوية لإنشاء مركز لمكافحة الإرهاب الذي تعتبره أكثر جدوى وأهمية. ورغم توصل الدول التي شاركت في جلسة مجلس الأمن الجماعي لرابطة الدول المستقلة في أيار\مايو من العام الجاري في العاصمة الأرمنية يرفان، لاتفاق حول إنشاء قوة للانتشار السريع في ثلاث مناطق تشمل: شرق أوروبا، والقوقاز، وآسيا المركزية. فإننا نلاحظ أنهم قد صرفوا النظر عن الاقتراح الأوزبكستاني لإنشاء مركز لمكافحة الإرهاب، وعاد وتكرر الوضع عندما استبعد الموضوع من جدول أعمال لقاء القادة في منسك. وهو عكس ما توقعه الرئيس الأوزبكستاني في تصريحه قبل مغادرته طشقند إلى منسك، وأشار فيه لأهمية بحث النواحي الأمنية، وضرورة تكثيف الجهود لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني والقومي الذي يهدد أمن واستقرار ليس أوزبكستان وآسيا المركزية وحسب، بل ورابطة الدول المستقلة ومناطق أخرى من العالم، ومطالبته بتكثيف الجهود الجماعية المشتركة للتصدي لهذا التهديد ووقف انتشاره. وهو ما يسمح لنا بالخروج باستنتاج أن النتائج التي تمخض عنها لقاء منسك كانت مخيبة للآمال الأوزبكستانية بعض الشيء.
اتفاقية "جووام" تؤمن لأوزبكستان مخرجاً واقعياً للأسواق العالمية: وعلى ما يبدوا أن القيادة الأوزبكستانية لم تفقد الأمل وعادت من جديد لتأكيد مواقفها السابقة من التعاون الإقليمي والدولي، وأفضلية العلاقات الاقتصادية عن غيرها من العلاقات، واقتراحها بإنشاء مركز لمكافحة الإرهاب أثناء اللقاء الذي جاء بعد لقاء منسك وجمع قادة كلاً من جورجيا، وأوكرانيا، وأوزبكستان وأذربيجان، ومولدوفا في يالطا على البحر الأسود. ومعروف أن تلك الدول كانت قد اتفقت في عام 1996 من خلال اللقاء الذي جرى في فيينا وضم قادة كلاً من جورجيا، وأوكرانيا، وأذربيجان، ومولدوفا، على توسيع العلاقات الثنائية القائمة بينهم ، ووضعوا الأساس المبدئي لا قامة بنية تنظيمية خاصة للتعاون في المنطقة المطلة على البحر الأسود وبحر قزوين. وفي نيسان\أبريل 1999 انضمت أوزبكستان إلى تلك المعاهدة لتتسع جغرافياً إلى قلب آسيا المركزية، وليصبح عدد الدول المنضمة للاتفاقية الجماعية خمس دول، عرفت منذ ذلك الحين اختصارا باسم ( جووام ) الذي جاء من الأحرف الأولى لأسماء الدول الخمس الأعضاء في الاتفاقية.
وجاء هذا التأكيد على لسان الرئيس الأوزبكستاني إسلام كريموف الذي أعلن قبل مغادرته طشقند إلى يالطا، بأن بلاده تعتبر المعاهدة ولقاء القادة الخمس مهم جداً، لأن أوزبكستان تعتبر الخروج إلى الأسواق العالمية واحدة من المهام الرئيسية التي تتصدى لها في الوقت الراهن. خاصة وأن أوزبكستان دولة داخلية لا منافذ لها على البحار والممرات المائية المفتوحة. ولهذا تعتبر أوزبكستان أن طرق الموصلات البرية قليلة التكاليف حيوية جداً بالنسبة لعلاقاتها التجارية الخارجية، ولخروج منتجاتها الصناعية والزراعية إلى الأسواق العالمية.
وتستخدم أوزبكستان في الوقت الحاضر طرق النقل البرية المارة عبر تركمانستان إلى ساراخس، ومن هناك إلى مشهد ومن ثم إلى موانئ دول الخليج العربية وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة. أو عبر تركمانستان وبحر قزوين إلى ميناء باكو عاصمة أذربيجان، ومن هناك إلى جورجيا، ومنها عبر البحر الأسود إلى الموانئ المطلة على البحر الأسود، والبحر الأبيض المتوسط. ومن هذا المنطلق يأخذ الخطاب السياسي للرئيس كريموف منحى أن التعاون مع دول المعاهدة يخدم هذه الأهداف ويساعد على تطوير ممر للنقل البري يربط بين آسيا والقوقاز وأوروبا، ويوسع التعاون الاقتصادي بين تلك الدول ضمن أطر التعاون الإقليمي.
وكان من القرارات الهامة التي تم التوصل إليها في يالطا، البيان المشترك الذي حول معاهدة "جووام" إلى منظمة إقليمية كاملة الأهلية في العلاقات الدولية. ومن يالطا أعلن القادة الخمس وبوضوح من أن منظمة "جووام" ليست موجهة ضد أية دولة أو أي بنية دولية. وأن هذا التجمع الإقليمي موجه بالأساس نحو تطوير العلاقات الاقتصادية الدولية على أساس المنفعة المتبادلة. ونفى البيان أن تكون للمنظمة أهدافاً سياسية أو عسكرية بأي شكل من الأشكال، واعتبرها تجمعاً اقتصادياً يمتد من قلب آسيا المركزية إلى شرق القارة الأوروبية.
وهو ما يتيح لأوزبكستان ممراً برياً حيوياً لنقل بضائعها من الموانئ الصينية شرقاً عبر خط أنديجان – أوش - قشقار، إلى أوروبا عبر شبكة خطوط النقل لرابطة الدول المستقلة، وخط باكو - سوبسا، عبر الأراضي التركية والبلغارية، إلى جانب خط ساراخس – تيجان - مشهد الذي يمكن أوزبكستان من الخروج إلى موانئ الخليج وبحر العرب والشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط عبر الخطوط البرية والسكك الحديدية. ويعوض أوزبكستان عن الطريق المعطلة حالياً بسبب الأحداث الدامية على الأرض الأفغانية والتي تعتبر من أقصر الطرق التي توصل أوزبكستان إلى الموانئ الباكستانية والهندية عبر الأراضي الأفغانية.
وبهذا يكون الرئيس كريموف قد حقق نجاحاً ومكسباً هاماً لبلاده، يخدم في المستقبل أهداف التنمية الاقتصادية ويوسع الصلات التجارية لبلاده مع العالم المتقدم، ويفتح الطريق لاستخدام طرق المواصلات في الدول الأعضاء بمنظمة "جووام" بشكل يقلل من الإنفاق على نقل المنتجات المستوردة والمصدرة، مما تنعكس آثاره على أسعار تلك البضائع، ويجعلها أكثر ملائمة للتنافس مما هو حاصل في الوقت الراهن. وهو ما أشار إليه الرئيس الأوزبكستاني في أحد تصريحاته: من "أن استخدام خطوط النقل المارة عبر أراضي الدول الأعضاء في "جووام" يعني أنه أصبح متاحاً لأوزبكستان أقصر الطرق إلى أوروبا والشرق الأوسط، وأقلها كلفة، وأكثرها راحة وأماناً، إضافة لشركاء موثوقين تعبر أراضيهم".
ومن المنتظر أن تحقق الدول الأعضاء في "جووام" فوائد إضافية في علاقاتها الدولية عن طريق إمكانية رفع حجم المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية من أجل توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية، وعن طريق إحياء طريق الحرير. والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها أن الاتحاد الأوروبي يدعم اليوم وبالكامل مشروع الطريق البرية "تراسيكا" التي تربط القارتين الآسيوية والأوروبية عبر آسيا المركزية.
ولابد من أن "جووام" كمنظمة إقليمية ستلعب دوراً هاماً في حصول الدول الأعضاء على القروض من المنظمات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وفي الحصول على المعونات المادية والمعنوية من المنظمات الدولية الأخرى كمنظمة الأمم المتحدة وأجهزتها المتخصصة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتكون حافزاً لتدفق الاستثمارات الأجنبية إليها. وتدفع الدول الأعضاء لتحقيق سياسات ضريبية وجمركية ملائمة، ولإتباع إجراءات أمنية محددة على الطرق وتحسين نوعيتها، وهو ما يتطلب من كل الدول المشاركة متابعة المباحثات وجعلها أكثر سعة وشمولية، والعمل على إقامة مناطق تجارة حرة. وكلها على ما نعتقد قضايا سيناقشها قادة الدول الأعضاء في لقائهم القادم الذي سيعقد في باكو العاصمة الأذربيجانية في الخريف القادم، ويسبقه مؤتمر حول الأمن يعقد في طشقند.
أوزبكستان عضو في "منظمة شنغهاي للتعاون": ولكن النجاح الأكثر إيجابية في المساعي الأوزبكستانية كان من خلال الحدث الكبير الذي وقع في حزيران/يونيو الحالي، نتيجة لمشاركة الرئيس كريموف في مؤتمر شنغهاي، إلى جانب قادة كلاً من روسيا والصين وقازاقستان وقرغيزستان وطاجكستان، الذين وقعوا على بيان مشترك يعلن عن انضمام أوزبكستان إلى "مؤتمر شنغهاي" كعضو كامل الأهلية.
وجاء في البيان أن عضوية أوزبكستان الكاملة في "مؤتمر شنغهاي" يتضمن التزامها بالمبادئ والاتفاقيات التي وقعت في شنغهاي عام 1996، وفي موسكو عام 1997 حول تعزيز الثقة في المجالات العسكرية، والتخفيض المتبادل للقوات العسكرية في المناطق الحدودية، وغيرها من الاتفاقيات، التي توصل إليها قادة الدول المشاركة وتحدد أسس العلاقات المتبادلة بين أعضاء "مؤتمر شنغهاي".
وكان من الصعب حتى الآن تقدير القيمة الواقعية لـ"خماسية شنغهاي"، التي تأسست في عام 1996 من دون أوزبكستان التي تشغل مركزاً مهماً في آسيا المركزية. خاصة وأن لأوزبكستان حدوداً مشتركة مع ثلاث من الدول الخمس وهي: قازاقستان، وقرغيزستان، وطاجكستان. ولأوزبكستان التي أصبحت عضوه في هذه المنظمة علاقات وروابط اقتصادية، وسياسية، وثقافية، واجتماعية قديمة تربطها بتلك الدول. إضافة للوزن السكاني الكبير لأوزبكستان التي يعيش على أراضيها حوالي نصف عدد السكان الخمسين مليون الذين يعيشون اليوم في آسيا المركزية حسب تصريح الرئيس إسلام كريموف، الذي أضاف إلى أن روسيا والصين يعتبران شريكين استراتيجيين لدول آسيا المركزية. وهو ما يسمح لتا باستنتاج أن دخول أوزبكستان في عضوية هذه المنظمة يزيد من قدراتها في آسيا المركزية، ويدخلها مرحلة جديدة من التطور والفاعلية على الساحة الدولية. وبانضمام أوزبكستان تحول مؤتمر شنغهاي إلى "منظمة شنغهاي للتعاون". والنجاح الأكبر للدبلوماسية الأوزبكستانية هذه المرة كان بالتوقيع إلى جانب قازاقستان والصين وقرغيزستان وروسيا وطاجكستان على "اتفاقية شنغهاي لمكافحة الإرهاب والتطرف" الذي تعاني منه جميعها.
وقد عبر الرئيس إسلام كريموف عن تفاؤله في الكلمة التي ألقاها أثناء جلسة قادة الدول المشاركة في 15\6\2001 معتبراً اللقاء حدثاً تاريخياً في العلاقات الدولية، واعتبر أن البنية التي أسست منذ خمس سنوات لتعزيز الثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء في المجالات الدفاعية وتخفيض القوات العسكرية في المناطق الحدودية، قد تحولت اليوم إلى منظمة تفتح الطريق واسعة للتعاون في المجالات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ويعتبر المراقبون أن منظمة شنغهاي للتعاون هي آلية متعددة الجوانب للتعاون الشامل، تم الإعداد لها بشكل جيد، بهدف تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة ومكافحة أخطار الإرهاب الدولي والتطرف الديني والقومي وتجارة المخدرات التي تهدد الأمن في المنطقة، والتصدي لأخطارها بشكل فاعل. وتأتي أهمية منظمة شنغهاي للتعاون من أنها أصبحت تجمع قادة دول تتفق وجهات نظرهم حول القضايا السياسية، وقضايا الأمن والاستقرار الإقليمي، وقضايا التطور في منطقة آسيا المركزية برمتها، إضافة لوجود روسيا والصين العضوين الدائمين في مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة داخل هذه المنظمة.
ومما دفع بأوزبكستان للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون أيضاً، رغبتها للسعي من خلال المنظمة لحل عقدة القضايا الحيوية المعلقة، وفي مقدمتها القضية الأفغانية، والسعي من خلال المنظمة إلى وقف إراقة الدماء، ومنع التهديد المستمر لأمن واستقرار المنطقة برمتها. والإقلال من شأن المشاكل الناتجة عنها، والمتمثلة بالإرهاب والتطرف الديني والقومي، وتجارة المخدرات، وهي قضايا متصلة ولا تنفصل عن بعضها البعض.
وتعتبر القيادة الأوزبكستانية أن الخطر يأتي من ملايين الدولارات التي يتم الحصول عليها من تجارة المخدرات، وتستخدم في تجنيد المتطرفين الذين يرسلون للقيام بأعمال إجرامية في مناطق مختلفة من العالم. وهو ما يحتاج للتنسيق الفاعل للتصدي لها بشكل مشترك للوصول إلى النتائج المنتظرة.
وخلص الخطاب السياسي للقيادة الأوزبكستانية إلى نتيجة مفادها أن مراكز تجنيد المتطرفين تستغل المصاعب الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية وغيرها من الأسباب لزعزعة أمن واستقرار المنطقة. مما دفع بالرئيس إسلام كريموف لدعوة قادة دول منظمة شنغهاي للتعاون، إلى العمل الجاد من أجل الوقاية من التطرف ومنعه، عن طريق التعاون من أجل توفير الرفاهية والحياة الكريمة لشعوب المنطقة. وعبر عن أمله أن يتم بمساعدة روسيا والصين العضوين الدائمين في مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة، الإسراع في إقامة منطقة خالية من السلاح النووي في آسيا المركزية، خاصة وأن الانتشار غير الشرعي لأسلحة الدمار الشامل اليوم أصبح من المشاكل الحيوية التي تهدد البشرية.
هذا وكانت كلاً من أوزبكستان وقازاقستان وقرغيزستان قد توصلت من ضمن فعاليات لقاء قادة منظمة شنغهاي للتعاون، إلى اتفاقية ثلاثية حول الحدود المشتركة بينهما. وانتهى لقاء شنغهاي باتفاق القادة على عقد لقائهم القادم بسانت بطرسبرغ في روسيا عام 2002.
المساعي والجهود الأوزبكستانية خارج الإطار الإقليمي: ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل دفعت النشاطات المكثفة في الإطار الإقليمي بأوزبكستان للابتعاد عن شركائها في أوروبا وخلف المحيط ؟ وهل كان النجاح الذي حقق نتيجة للجهود الواسعة للقيادة الأوزبكستانية في منسك، ويالطا، وشنغهاي، للتخلي عن سياسة البدائل الإيجابية في السياسة الخارجية الأوزبكستانية ؟
وللجواب على تلك التساؤلات نستعرض بعضاً من النتائج الإيجابية التي توصلت إليها المباحثات التي أجراها في واشنطن وزير الخارجية الأوزبكستانية عبد العزيز كاميلوف مع نظيره الأمريكي كولن باول، حول نفس القضايا المطروحة، والتي تطابقت حولها وجهات النظر الأوزبكستانية والأمريكية، حول الاتفاق على ضرورة توسيع الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب الدولي وتجارة المخدرات، وتنسيق الجهود لحل مسائل الأمن والبيئة، وأثمرت تلك المباحثات أيضاً عن توقيع اتفاقية مشتركة لتعميق التعاون المشترك بين أوزبكستان والولايات المتحدة الأمريكية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ونعتقد أن هذا ليس نهاية، بل بداية واستناداً لمصادر مطلعة فإن القيادة الأوزبكستانية تتأهب حالياً لتنفيذ خطة تتحرك بموجبها نحو بلدان الخليج العربية، والشرق الأوسط لتبادل الزيارات بين عواصم تلك الدول لكسب تأييدها، وتعزيز العلاقات القائمة معها وتوسيعها، والتفاهم معها حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وزيادة حجم التعاون الاقتصادي والأمني والتبادل التجاري.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق