الأحد، 7 فبراير 2010

المشكلة الأفغانية في السياسة الخارجية الأوزبكستانية

المشكلة الأفغانية في السياسة الخارجية الأوزبكستانية
كتبها أ.د. محمد البخاري: مستشار بجامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية. بتاريخ 23/9/2001، وأرسلت لصحيفة الاتحاد بأبو ظبي.
لا أظن أن أحداً قد يختلف معي بأن الإنسانية عرفت منذ الأزل الخلافات والصراعات التي استخدمت من أجل حلها القوة المسلحة. إذ يطالعنا التاريخ بأن الحروب والصراعات عبر التاريخ الإنساني تفجرت بين القبائل والمدن والدول والتكتلات المختلفة، بسبب الخلافات على الحدود وتملك الموارد الطبيعية. ومع تطور الإنسانية أصبحت الحروب والصراعات المسلحة تجري إضافة لذلك على أرضية الخلافات الدينية والثقافية والفكرية والعرقية وغيرها. وتذكر صفحات التاريخ كيف أهدرت الصراعات المسلحة حياة الكثيرين من البشر، والدمار والخراب والجوع الذي خلفته للأحياء الذي تبقوا بعد حسم تلك الصراعات.
ولم تزل الإنسانية تتذكر نتائج الحربين المدمرتين العالميتين الأولى والثانية اللتان أبرزتا الحاجة الماسة لتجنيب الإنسانية الصراعات المسلحة مهما كان سببها. ومع ظهور الأسلحة الذرية والنووية وأسلحة الدمار الشامل الفتاكة الأخرى أصبحت الصراعات المسلحة أكثر تهديداً للمجتمع الإنساني. وهو ما أثار انتباه المجتمع الدولي ودعاه إلى اتخاذ إجراءات إضافية كفيلة بالحفاظ على الأمن والسلام على كوكب الأرض. ومنها ما نصت عليه المادة 33 من الفصل السادس لنظام منظمة الأمم المتحدة التي تدعوا إلى "حل المنازعات بالطرق السلمية". عن طريق التفاوض، والتحكيم، واللجوء إلى المحاكم الدولية، والمنظمات الإقليمية، والاتفاقيات الدولية وغيرها من الوسائل التي تراها الدول ناجعة لحل الخلافات بالطرق السلمية، قبل اللجوء إلى استخدام القوة المدمرة.[1]
وبغض النظر عن فهم وإدراك من يلجأ إلى الحلول العسكرية، لأخطار تلك السبل التي تستخدم فيها القوة العسكرية لحل الصراعات والمنازعات، على السلام والأمن والاستقرار في عالمنا المعاصر، فإننا نرى أن أكثر الجهود التي بذلت لتجنيب الإنسانية خطر الصراعات والحروب خلال النصف الثاني من القرن العشرين لم تؤد إلى نتائج ملموسة. إذ نرى أنه بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة اشتعلت بعض تلك الحروب الإقليمية في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط والكثير من الأماكن على الكرة الأرضية. وحتى أن الحرب التي سميت بـ "الحرب الباردة" بين الكتلتين الشرقية والغربية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وضعت العالم كله في وضع من القلق الشديد وحالة من عدم الاستقرار لفترة طويلة. ويكفي أن نذكر أنه خلال الفترة الممتدة من عام 1945 وحتى عام 1992 فقط جرى أكثر من 100 صراع مسلح رئيسي في أنحاء مختلفة من العالم أدت بحياة أكثر من 20 مليون إنسان.[2]
ومع انتهاء "الحرب الباردة" ظهرت في البداية تكهنات متفائلة تبشر بدخول عصر جديد خال من الصراعات ومبني على التوازن الإيجابي بين دول العالم. ولاح في الأفق بدلاً عن ذلك، بعد اختفاء الصراع الأيديولوجي بين الدولتين العظميين آنذاك، طيف الصراعات الإقليمية والحدودية والدينية والقومية والعرقية، التي قد يسبب التعامل معها بنشوء تهديدات تنبئ بحرب عالمية ثالثة.
وضاعت الآمال التي علقتها البشرية على عالم هادئ متوازن تحترم فيه الحقوق، وتؤدي فيه الدول الواجبات حيال الإنسانية جمعاء. ووجدت جملة من الصراعات المسلحة والحروب المحلية والإقليمية أسباباً للاستمرار والانتشار حتى بعد انتهاء "الحرب الباردة"، ومنها الصراع الهندي الباكستاني حول "جامو وكشمير"، ذلك الصراع الذي أصبح يبشر بحرب نووية مدمرة بين الدولتين. والحرب الأهلية الدائرة في أفغانستان، والتي هددت في البداية بالانتشار إلى دول الجوار، وأصبحت تهدد بحرب عالمية ثالثة بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية. والحرب الإرترية اليمنية حول "بعض الجزر التي تتحكم بمدخل البحر الأحمر عند مضيق باب المندب"، والحرب الحدودية بين إرتريا وإثيوبيا. والحروب الأهلية في جنوب السودان، والصومال. وحروب الاستقلال في يوغسلافيا السابقة. والحرب الأذربيجانية الأرمنية حول منطقة "ناغورني قره باغ (الجبل السود)"، والحرب الشيشانية، وحرب تحرير الكويت المستمرة آثارها لأكثر من عقد من الزمن، وحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من نصف قرن مضى ضمن ما يعرف بأزمة الشرق الأوسط المستعصية الحل، وغيرها الكثير من الصراعات المسلحة هنا وهناك في أنحاء مختلفة من العالم المعاصر.
والصراعات المسلحة الحديثة أصبحت واحدة من الحقائق البارزة للوضع المتردي وغير المستقر على الكرة الأرضية. الوضع الذي يصعب التحكم به في المستقبل، خاصة بعد أن أصبحت تلك الصراعات تميل بشكل مطرد نحو التطور والاتساع، وتورط أطراف أخرى فيها، وهو ما يهدد أمن واستقرار ليس الأطراف المتورطة بتلك الصراعات وحسب، بل وتهدد أمن واستقرار العالم بأجمعه. وهي الحقيقة التي أصبحت ماثلة للعيان بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة المؤلمة التي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية.
وخطر تلك الصراعات الحديثة والمستمرة منذ القرن الفائت لابد وأن يدعوا قادة العالم في القرن الحادي والعشرين للتكتل والبحث عن طرق عملية أكثر فاعلية ووسائل وبدائل لحل تلك الصراعات ووقفها دون استخدام العنف والقوة المسلحة المدمرة. خاصة وأن آلية حل تلك الصراعات اليوم تمتع بأهمية بالغة في ظروف العولمة والتطور العلمي والتقني وهي كلها حقائق الهامة تدعو الجميع للمحافظة على الأمن والسلام وإن لم نبالغ الحفاظ على الحضارة الإنسانية بأسرها.
ومن هذا المنطلق نجد في الخطاب السياسي للقيادة الأوزبكستانية منذ الاستقلال وحتى اليوم، تأكيدها المستمر على ضرورة تعزيز الأمن الإقليمي، ومطالبتها الدائمة بعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى ووقف تلك الصراعات تمهيداً لحلها بالطرق السلمية عبر التفاوض. ونرى أن هذا الموقف ثابت وتعتبره القيادة السياسية الأوزبكستانية من أولويات سياستها الخارجية منذ الاستقلال قبل عقد من الزمن وحتى الآن.
وبالفعل نرى أن القيادة الأوزبكستانية قامت بوضع تصور خاص يمكنها من المساهمة الإيجابية في حل تلك الصراعات. إذ قام الرئيس الأوزبكستاني إسلام كريموف أكثر من مرة، ومن على المنابر الدولية بلفت انتباه الأسرة الدولية لأخطار تلك الصراعات الإقليمية ليس على الأمن والاستقرار في آسيا المركزية وحدها، بل وعلى الأمن والاستقرار في العالم أجمع. وأثار الانتباه أكثر من مرة إلى النتائج الوخيمة لتلك الصراعات على الإنسانية جمعاء. ولم تكتف القيادة الأوزبكستانية بهذا، بل راحت أبعد من ذلك بالتعبير عن رغبتها واستعدادها للمشاركة في الجهود الدولية، وجهود الدول المعنية من أجل إيجاد حلول لتلك الصراعات بالطرق السلمية، وهو ما يؤكده الخطاب السياسي للقيادة الأوزبكستانية في أكثر من مناسبة على أن أوزبكستان ستبذل كل الجهود وستستخدم كل الإمكانيات المتاحة لها، في إطار السياسة الحكومية، وفي إطار استخدام آليات العمل في المؤسسات الدولية، وستساند دائماً كل الجهود والخطوات العملية التي ستوجه نحو حل المشاكل وتجنب الصراعات السياسية والعسكرية في الدول المجاورة لأوزبكستان بالطرق السلمية. وهو ما يعتبره الرئيس كريموف جوهراً لسياسة حكومته الخارجية ، وأحد المسارات الرئيسية لإستراتيجية الأمن القومي لأوزبكستان.[3]
ويعتبر الخطاب السياسي للحكومة الأوزبكستانية أن الأجيال القادمة لن تغفر للجيل الحالي الأسباب والخلفيات التي سببت إشعال نيران الحروب. وأن التاريخ سيصدر حكمه دون أن يفصل البذور عن قشرها ولن تقبل أي تبرير للعجرفة والتعنت الفردي، الذي استخدم مصالح الشعب كغطاء لأهداف شخصية الضيقة".[4]
وكما هو واضح في الأدبيات السياسية الأوزبكستانية فإن القيادة السياسية الأوزبكستانية لم تكتف بتحديد أطر الإستراتيجية القومية للتعامل مع الصراعات الإقليمية ومحاولة الإسهام في حلها وحسب، بل وساهمت في تقديم اقتراحات محددة تساعد على حلها، انطلاقاً من قناعتها بأن عملية تحقيق السلام والاستقرار لابد وأن تكون عبر العناصر التالية المتلازمة مع بعضها البعض، وهي: أن حل الصراع يتم على مراحل؛ وأنه يجب مشاركة كافة الجهات المعنية بالصراع في المحادثات؛ وأنه لابد من قيام الجهات المعنية بالصراع بتقديم التنازلات المتبادلة وحلول الوسط المعقولة؛ وأنه لابد من رعاية ومشاركة منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المنظمات الدولية في عملية إنهاء الصراع؛ وأنه لابد من الحفاظ على وحدة وسلامة أراضي كل جهة من الجهات المتورطة في الصراع؛ مع ضرورة عدم السماح بتوجيه أية ضغوط من أي نوع على الأطراف المتورطة في الصراع، أو أي تدخل خارجي في الصراع؛ وأنه لابد من فرض حصار صارم على توريد المعدات العسكرية إلى مناطق الصراع.[5] ولكن الواقع ومع الأسف الشديد يبرز أن الصراعات الإقليمية قد ذهبت بعيداً جداً، حتى أنه أصبح من الصعب حلها داخلياً، بسبب المصالح الأنانية الضيقة للقوى المتورطة في الصراعات، وبات من الضروري مشاركة المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية، عملياً وبفاعلية من أجل التأثير على الجهات المعنية من خلال استخدام النفوذ، والوسائل الاقتصادية، وإن احتاج الأمر استخدام القوة لحفظ الأمن والسلام في مناطق الصراع.
ولما كانت جمهورية أوزبكستان من الدول المجاورة لأفغانستان، وتقع في دائرة تهديدات الصراع الدائر على الأراضي الأفغانية، ومن بينها طبعاً خطر انتقال الصراع الدائر على الأرض الأفغانية إلى الأراضي المجاورة ومن ضمنها أوزبكستان، وهو ما حدث فعلاً في عام 1999 وصيف عام 2000، فإننا نرى أنها تنظر بحذر شديد إلى تطور الأوضاع غير المستقرة في الجمهورية الأفغانية الإسلامية المجاورة.
ودفعت تلك التخوفات من امتداد وانتشار الصراع بالحكومة الأوزبكستانية للتعبير صراحة عن مصلحتها في إيجاد الحلول للصراع الدائر على الأرض الأفغانية بشكل عاجل وبالطرق السلمية والدبلوماسية. واعتبرت أن القضية الأفغانية مرتبطة بشكل مباشر بأمن القوميات المتعددة التي تسكن المنطقة. واعتبرت أن الأمن والاستقرار في المنطقة مرتبط بشكل مباشر بمكافحة انتشار الإرهاب. خاصة وأن للقضية الأفغانية تأثير مباشر ليس على الأحداث الدائرة داخل أفغانستان وحدها، بل وعلى الأمن والاستقرار في المنطقة كلها. وانطلاقاً من تلك الأسباب فإن القيادة الأوزبكستانية اعتبرت في خطابها السياسي أن الكثير من عناصر الصراع الدائر في أفغانستان هي من بين العناصر الكثيرة الأكثر تهديداً وتأثيراً للاستقرار والأمن الإقليمي والعالمي على السواء.
وهي الأوضاع التي دفعت على ما أعتقد بالحكومة الأوزبكستانية لتقديم مقترحات محددة ومركزة وموجهة بدقة نحو تكثيف الجهود الإقليمية والدولية لحل القضية الأفغانية بالطرق السلمية وحدها، تجنباً لأخطار مضاعفات حلها عن طريق استخدام القوة المسلحة. ومن عام 1993 والحكومة الأوزبكستانية كما هو واضح عاكفة على تقديم المبادرات السلمية الواحدة تلو الأخرى لحل القضية الأفغانية، إضافة لسعيها الدائم للفت أنظار المجتمع الدولي إلى جوهر الصراع الدائر هناك وتهديداته للأمن والاستقرار والسلام الإقليمي والعالمي، على اعتبار أن المشكلة في النهاية هي مشكلة عالمية ومن واجب المجتمع الدولي إيجاد الحلول الصائبة لها.
وتناول الرئيس إسلام كريموف القضية الأفغانية للمرة الأولى في عام 1993، من على منبر الدورة 48 للهيئة العامة للأمم المتحدة. وركز عندها على ضرورة اهتمام المجتمع الدولي بالقضية الأفغانية، وبالنتيجة شكلت لجنة خاصة بالقضية الأفغانية في إطار الأمم المتحدة في عام 1994. وفي سبتمبر/أيلول 1995 عاد الرئيس كريموف وأكد في كلمته أمام ندوة "الأمن والتعاون في آسيا المركزية" التي عقدت في طشقند، على موضوع تلازم الأمن والاستقرار في منطقة آسيا المركزية والأوضاع القائمة في أفغانستان. وفي أكتوبر/تشرين أول 1995 من على منبر الدورة 50 للهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، عاد الرئيس الأوزبكستاني وقدم مبادرة تضمنت عدة اقتراحات لحل القضية الأفغانية، ومن بينها اقتراحه بفرض حصار على توريد السلاح للأطراف المشاركة في الصراع. كان من نتيجته أن أصدر البرلمان الأوروبي في مطلع عام 1996 قراراً يدعو فيه إلى وقف أي تدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وفرض حصار على توريد الأسلحة إلى منطقة الصراع. وفي صيف نفس العام قامت الولايات المتحدة من جهة واحدة بإعلان فرض حصار على توريد السلاح إلى أفغانستان.
وبعد ذلك وفي إطار لقاء القمة لقادة ورؤساء حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الذي انعقد في فلورنسا وشاركت فيه أوزبكستان، دعى الرئيس كريموف لتنشيط جهود الاتحاد الأوروبي من أجل حل القضية الأفغانية. وفي يونيو/حزيران 1996 وأثناء الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس كريموف للولايات المتحدة الأمريكية، بحث مع الرئيس كلينتون مختلف القضايا الملحة بما فيها مواضيع الأمن الإقليمي والدولي. وفي نوفمبر/تشرين ثاني وأثناء الزيارة الرسمية للمملكة البلجيكية بحث الرئيس كريموف مع المسؤولين في الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي الأوضاع الراهنة في أفغانستان.
ونتيجة للجهود التي قامت بها القيادة الأوزبكستانية، وخاصة الرئيس كريموف من أجل الحصول على دعم وتأييد وتفهم المجتمع الدولي وحكومات الدول المجاورة لأفغانستان، ومنظمة الأمم المتحدة لجوهر الصراع، فعلى ما يبدوا أنها أفلحت في لفت الأنظار وتركيز جهود المجتمع الدولي لإيجاد حلول عاجلة للقضية الأفغانية. ومن بين تلك النتائج كان إصدار المنظمات الدولية المختلفة في نهاية عام 1996 جملة من الوثائق المتعلقة بحل القضية الأفغانية نتيجة للمبادرات الأوزبكستانية. ومن بين تلك الوثائق، الوثيقة التي صدرت في العاصمة البرتغالية لشبونة من قبل قادة الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون الأوروبية التي انعقدت خلال الفترة من 3 إلى 4/12/1996، وأدخلت فيها فقرة تتحدث عن تنشيط الجهود لدعم الاستقرار ومنع الصراعات في منطقة آسيا المركزية، وإصدار وثيقة العاصمة النمساوية فيينا في 13/12/1996 التي تحدثت عن منع توريد السلاح، والمعدات العسكرية لأفغانستان، وإصدار مجلس وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي لوثيقة خاصة حدد فيها "موقف عام" يتعلق بموضوع توريد الأسلحة لأفغانستان.
وتابع الرئيس الأوزبكستاني جهوده السلمية وأشار في كلمته أثناء الاجتماع الطارئ لقادة الدول الأعضاء في منظمة الإيكو في 13/5/1997 إلى تأثير عامل التكامل الاقتصادي في إطار الدول الأعضاء على قضايا " النقاط الساخنة" في المنطقة. وفي سبتمبر/أيلول 1997 أكد الرئيس الأوزبكستاني مرة أخرى أمام المشاركين في الندوة الدولية التي عقدت في العاصمة الأوزبكستانية طشقند حول "إعلان آسيا المركزية منطقة خالية من الأسلحة الذرية" وشاركت فيها بعض الدول العربية والإسلامية، على فكرة إقامة منطقة خالية من السلاح الذري في آسيا المركزية، من ضمن الجهود المبذولة من أجل توفير الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها. وفي نفس الوقت تقريباً قدمت الحكومة الأوزبكستانية مبادرة اقترحت فيها تشكيل لجنة اتصال دولية تشارك فيها أفغانستان والدول الست المجاورة لها، وهي الصين وطاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان وإيران وباكستان بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أطلق عليها اسم مجموعة "6+2" لحل القضية الأفغانية. وعقدت المجموعة أولى جلستيها بمشاركة الممثلين الدائمين في المجموعة "6+2"، ولقاء وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجموعة "6+2" لحل القضية الأفغانية، في نيويورك بتاريخ 16/10/1997، و21/9/1998، و14/1/1999، وصدر في أعقابه وثيقة "نقاط التفاهم العامة" لحل القضية الأفغانية.
واثر أحداث التفجيرات الإرهابية الأليمة التي تعرضت لها طشقند واستهدفت حياة الرئيس إسلام كريموف وكبار المسؤولين في الإدارة الحكومية الأوزبكستانية، في فبراير/شباط 1999، وراح ضحيتها العشرات من المواطنين الأبرياء، وأثناء الاجتماع الذي عقدته اللجنة المشتركة لأوزبكستان والولايات المتحدة الأمريكية، في مايو/أيار 1999 بطشقند تم التوقيع على وثيقة مشتركة لمكافحة الإرهاب. تبعها في يونيو/حزيران 1999 انعقاد لقاء طشقند على مستوى نواب وزراء خارجية دول مجموعة "6+2" لحل القضية الأفغانية، شارك فيه ممثلين عن الأطراف المتصارعة على الأرض الأفغانية. وصدر عن اللقاء وثيقة طشقند التي تضمنت المبادئ الأساسية للحل السلمي للصراع الأفغاني. وناقش مجلس الأمن الدولي أثناء جلسته التي انعقدت في مقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 28/7/1999 النتائج التي توصل إليها لقاء طشقند. وعاد وأصدر مجلس الأمن الدولي في 15/10/1999 قراره رقم 1267 حول أفغانستان، وتضمن مطالبة حركة "طاليبان" بتسليم أسامة بن لادن الذي تتهمه الولايات المتحدة الأمريكية بالإرهاب وتدبير الاعتداءات على سفاراتها في إفريقيا، واستناداً للقرار المذكور جمدت واشنطن الحسابات المصرفية لمؤسسة الطيران الأفغانية "آريان" وأوقفت التجارة وتوظيف رؤوس أموال الشركات الأمريكية، في المناطق التي تسيطر عليها حركة "طاليبان".
وعاد الرئيس كريموف وطالب منظمة الأمن والتعاون الأوروبية أثناء لقاء القمة الذي عقدته المنظمة في اسطنبول بتركيا بتاريخ 18/11/1999 في كلمته أمام القمة، بأن تلعب المنظمة الأوروبية دوراً أكثر فاعلية لإقامة نظام للأمن الإقليمي في منطقة آسيا المركزية، أخذين بعين الاعتبار تهديدات الصراع الدائر على الأرض الأفغانية على المنطقة بأسرها، خاصة بعد أن ثبت إنتاج وتجارة المخدرات بشكل غير قانوني، وتجارة الأسلحة، وتدريب المقاتلين في أفغانستان، وهو ما يحمل معه أثاراً سلبية بعيدة الأبعاد، خاصة على منطقة آسيا المركزية. وأثبتته معطيات منظمة الأمم المتحدة التي تحدثت عن تلقى من 50 إلى 70 ألف مقاتل من المتطرفين الإسلاميين من 55 دولة التدريب العسكري خلال السنوات الأخيرة في معسكرات التدريب الأفغانية.
وفي بداية عام 2000 جرى في طشقند اللقاء الدوري لقادة دول آسيا المركزية خلال الفترة من 20-21/4/2000، وتم خلاله تأكيد الدول المشاركة على العمل المشترك لمواجهة تهديدات الصراع الدائر في أفغانستان. كما وأعلن رئيس مجلس الأمن الدولي في أبريل/نيسان استعداد المجلس للنظر في موضوع اتخاذ إجراءات إضافية هادفة تتفق ونظام منظمة الأمم المتحدة الغرض منها الرقابة على إنتاج المخدرات في أفغانستان. وكان الأمن الإقليمي على ضوء الأحداث الجارية في أفغانستان من بين المواضيع التي بحثها الرئيس الأوزبكستاني مع رئيس الوزراء الهندي أثناء زيارته الرسمية للهند خلال الفترة من 1وحتى 2/5/2000. كما وبحث موضوع التطرف الديني والإرهاب في آسيا المركزية في الندوة الدولية التي جرت في واشنطن خلال مايو/أيار 2000 وكان الهدف منها شرح مضمون أخطار التطرف الديني والإرهاب على الأمن والاستقرار في آسيا المركزية، وخاصة في أوزبكستان.
وأثناء "الاحتفال بالألفية الجديدة" الذي أقامته الهيئة العامة للأمم المتحدة في 12/9/2000 تحدث الرئيس الأوزبكستاني أمام المحتفلين مؤكداً مواقف الحكومة الأوزبكستانية من المشكلة الأفغانية أي قبل عام كامل على الأحداث الإرهابية الأليمة التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد كل ذلك العرض للجهود الأوزبكستانية حيال القضية الأفغانية يحق لنا التساؤل هنا، هل احتاج المجتمع الدولي الانتظار حتى الأحداث المجرمة في نيويورك وواشنطن لينهض من ثباته ويبدأ بتنسيق الجهود وتركيزها لمحاربة الإرهاب ؟ ولماذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل فعال لمواجهة التطرف والإرهاب قبل حدوث ما حدث ؟ وقبل أن يتعرض العالم لأخطار نشوب حرب عالمية ثالثة لا قدر الله.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار بأن آسيا المركزية تضم اليوم 50 مليون نسمة، يعيش أكثر من نصفهم في أوزبكستان، فإننا نستطيع استنتاج أن أوزبكستان تعتبر الدولة الأهم في المنطقة جغرافياً وسياسياً وسكانياً. وهي بعد دخولها لعضوية "منظمة شنغهاي للتعاون" في يونيو/حزيران 2001 أصبحت معنية بشكل مباشر بتحقيق السلام في أفغانستان، السلام الضروري لتوفير الأمن والاستقرار الدائم في المنطقة الواسعة التي أصبحت تشمل دولتين عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي روسيا والصين إضافة لأوزبكستان وقازاقستان وطاجكستان وقرغيزستان. وبذلك أصبحت أفغانستان كـ"حزام بكفورد" يشد ليس المنطقة وحدها، بل وكل نظام الأمن العالمي.[6] حسب تعبير الرئيس الأوزبكستاني، بعد أن تحول حدود أفغانستان مع الدول المجاورة إلى قاعدة انطلاق، ومسرحاً لعمليات القوة العسكرية المدمرة للإرهاب الدولي والتطرف الديني، والأكثر من ذلك المصدر الرئيسي لأسواق المخدرات الدولية. وهو ما يزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة لأن بعض الدول كانت تحاول دائماً زيادة وتوسيع تأثيرها على أفغانستان، لتحويلها إلى قاعدة انطلاق، تنطلق منها لضرب الاستقرار والأمن في دول آسيا المركزية ولنشر أفكار هدامة، من خلال شعارات كاذبة تتحدث عن التضامن الإسلامي.
ومن تحليل تلك الوقائع التي عرضناها نستطيع الخروج بالنتائج التالية: أن جهود الحكومة الأوزبكستانية من أجل لفت أنظار المجتمع الدولي إلى مشكلة الأمن الإقليمي، وخاصة قضية الصراع الدائر على الأرض الأفغانية تلقت تفهم المجتمع الدولي بالتدريج؛ وأن ثلاث دول هي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي معنيون مباشرة بالصراع الدائر على الأرض الأفغانية؛ وأن على دول منطقة آسيا المركزية ومن ضمن مجموعة "6+2" لابد وأن يتخذوا اليوم وبشكل عاجل إجراءات حاسمة، وجهوداً كبيرة من أجل البحث عن حل سلمي للقضية الأفغانية قبل أن يستفحل الموقف.
وهذا يعني أنه لم تزل هناك إمكانية فريدة في تاريخ العلاقات الدولية، للتمسك بالخط المبدئي الذي سبق وأعلنته مراراً القيادة الأوزبكستانية وطالبت فيه بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان. خاصة وأن أوزبكستان معنية ومستمرة في تأييد مبادرات منظمة الأمم المتحدة من أجل عزل الصراع الدائر في أفغانستان، والتعاون بنشاط مع كل الجهات المعنية في إقرار السلام على الأرض الأفغانية، وهي من أجل ذلك تتابع وبشكل دائم ومستمر، وتحافظ على اتصالاتها مع الدول المعنية بهذا الصراع.
وهو ما أكده الرئيس الأوزبكستاني حول استعداد بلاده للمشاركة مع الدول المعنية للعب دور أكثر فاعلية من أجل وضع وتحقيق حل دائم للقضية الأفغانية. وعاد وأعلن الرئيس كريموف خلال استقباله لسكرتير مجلس الأمن القومي للاتحاد الروسي فلاديمير روشايلو، أن أوزبكستان مستعدة للبحث في المسائل المتعلقة بالجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، ضمن جهود الأمم المتحدة. وأن أوزبكستان لم تنظر ولم تبحث مع ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية في موضوع تقديم أراضيها ومجالها الجوي من أجل توجيه ما يسمى بضربات في أفغانستان.[7]
الأحد 23 أيلول/سبتمبر 2001
هوامش:
[1] أنظر: حكيموف ر.: أوزبكستان ومنظمة الأمم المتحدة. طشقند: 1995. ص 87.
[2] كوفي عنان، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة: الشراكة من أجل المجتمع العالمي. التقرير السنوي عن نشاطات المنظمة لعام 1998. منظمة الأمم المتحدة، 1998. ص 13.
[3] إسلام كريموف: أوزبكستان على عتبة القرن الحادي والعشرين: تهديدات الأمن، وظروف وضمانات التقدم. طشقند: "أوزبكستان"، 1997. ص 32.
[4] إسلام كريموف: أوزبكستان على عتبة القرن الحادي والعشرين: تهديدات الأمن، وظروف وضمانات التقدم. طشقند: "أوزبكستان"، 1997. ص 21.
[5] إسلام كريموف: على طريق البناء. طشقند: "أوزبكستان"، 1996. ص 35.
[6] إسلام كريموف: كلمة في جلسة قادة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون. // طشقند: برافدا فاستوكا 20/6/ 2001.
[7] وكالة الأنباء الأوزبكستانية أوزا؛ وصحيفة برافدا فاستوكا، 20/9/2001.

هناك تعليق واحد: