الاثنين، 12 أغسطس 2013

من هو علي شير نوائي

دراسة أعدها أ.د. محمد البخاري

أخذ الباحثون العلميون في أوزبكستان منذ باكورة الإستقلال منحى جديداً للبحث العلمي بملامح وطنية واضحة شمل كل العلوم الإنسانية والتطبيقية ومن بينها الدراسات التاريخية والأدبية، وتحت عنوان "من هو علي شير نوائي" نشرت صحيفة "برافدا فاستوكا"، في عددها الصادر يوم 8/8/2013، مقالة كتبها نظام الدين محمودوف: مدير معهد اللغة والأدب بأكاديمية العلوم الأوزبكستانية، دكتور في العلوم اللغوية، بروفيسور. سلطت الضوء على واحدة من تلك الأبحاث ووجدت أن أقدم لكم ترجمة كاملة لها:
في عام 2011 صدر عن دار "اكاديمناشروم" كتاب علمي بعنوان "علي شير نوائي: تحليل مقارن للمراجع النمطية والنصية" تأليف الدكتور في العلوم اللغوية، البروفيسور شهرت سيراج الدينوف، وتضمنت الدراسة حياة وأعمال علي شير نوائي.
وسبق وأجرى سيراج الدينوف دراسات مقارنة على المراجع التي تتحدث عن حياة وإبداعات علي شير نوائي. وأشار إلى أن أيبيك عندما كتب روايته "نوائي" درس الأعمال التاريخية التي كتبت في عصر علي شير نوائي. ولكن عزت سلطان تميز بعد ذلك عن أيبيك في مؤلفه "نوائينينغ قلب دفتري" (دفترالقلب لنوائي) معتمداً على الملاحظات التي دونها نوائي في مؤلفاته وخاصة العاطفية منها. ولكن كان من الواضح أن ما ألفه هذين الأديبين كانت غارقة بأحداث المرحلة التي عاشوها، متأثرين بما فرضته المرحلة السوفييتية على الحركة الأدبية آنذاك.


ولكن بعد إستقلال أوزبكستان جرى إعادة لدراسة تراث علي شير نوائي الغني وغيره من الأجداد العظام للشعب الأوزبكي مجدداً، حيث اكتشفت خصائص جديدة من وجهات نظرهم الفكرية والفلسفية. واحتاجت دراسات حياة ونشاطات رجل الدولة العظيم والشاعر والفيلسوف لنظرة جديدة، وتم تخليصها من التأثيرات الأيديولوجية الشيوعية، ونصوص الدراسات الصعبة. حيث تم قطع صلة المعلومات عن حياته وإبداعاته عن جذورها التاريخية، وجرى تحريفها عن عمد، وحرفت التصورات عن الشاعر.
وحاول شهرت سيراج الدينوف، في كتابه "علي شير نوائي: تحليل مقارن للمراجع النمطية والنصية" تذليل الصعوبات النصية التي اعترضت الأبحاث من وجهة النظر العلمية. وخلال سنوات طويلة من عمله البحثي لهذه المشكلة قام بنشر نتائج أبحاثه تباعاً في المجلات الأدبية كان المتخصصون ينتظرونها دائماً، وكانت سبباً لمناقشات حادة جرت في الأوساط الأدبية وبين الأساتذة والطلاب.
ونتيجة للأبحاث التي أجراها سيراج الدينوف صدر كتاباً في عام 2011 أظهر فيه من وجهة نظر علمية ما قام به من جهود، وأنه لم يختار الطريق السهل في البحث العلمي، بل اختار الأسلوب العلمي الصحيح في البحث. حيث قام بدراسة المصادر الأصلية التي شملت: المخطوطات المكتوبة بالحرف العربي باللغة الفارسية، الموجودة في خزائن معهد الإستشراق التابع لأكاديمية العلوم الأوزبكستانية، والمراجع المخطوطة التي صدرت في عصر علي شير نوائي، والمحفوظة في مكتبة بودليان ببريطانيا.
وحلل في دراسته العلمية أكثر من عشرين مصدراً ألفها علماء ودارسين للأعلام عاشوا خلال الفترة الممتدة من القرن الخامس عشر وحتى القرن التاسع عشر الميلاديين أمثال: ميرخاند، وخاندامير، ودولت شاه سمرقندي، وحسين كاشيفي، وعطا الله حسين، وظير الدين بابور، ومحمد حيدر ميرزة، وغيرهم. وركز على دراسة 83 مخطوطة محققة ومنشورة، وأجرى تحليلاً مقارناً للنصوص وخرج بنتائج لا تقبل الجدل. خصص لجمعها ودراستها وتحليلها عشر سنوات من حياته.
ومما يميز بحثه العلمي أنه أعطى معلومات جديدة عن علي شير نوائي، وخطه الإبداعي ونشاطاته العملية. وجمعت معلوماته بين التحليل المقارن المنطقي من وجهة نظر علاقة المؤلفين بشخصيته كشاعر. والمداخل والأساليب العلمية المتبعة في الأعمال التي تسمح بوضع مسلسل تاريخي لتكشف بدقة مدى تحريف الحقائق التي جرت حتى القرن الـ20، وسمحت بذكر الأسباب الموضوعية التي دفعت المؤلفين لتحريف الحقائق التاريخية.
ولم يكتفي سيراج الدينوف، في كتابه بتقييم وتدقيق معلومات محددة عن سيرة حياة علي شير نوائي بموضوعية، بل أثبت مدى فائدة المصادر التي كتبها التيموريين وقدم وصفاً عن شخصياتهم وصفاتهم الحميدة. وعلى سبيل المثال كان: تحليله لحياة ونشاطات سلطان أبو سعيد كوراغون. وشخصية هذا السلطان العالم نقدها المؤرخون دون أساس وحرفت لأنها تحمل نفس كنية القائد العسكري أمير أبو سعيد، ولهذا أخطأوا بربط المذابح الدامية التي حدثت في عاصمة خراسان هيرات باسم سلطان. وأعاد سيراج الدينوف، الحقيقة العلمية بأن: سلطان أبو سعيد كوراغون بعد وفاة ألوغ بيك ميرزا حكم ولسنوات طويلة ما وراء النهر وحاول إعادة ضم القسم الثاني من إمبراطورية الأمير تيمور إثر إنهيارها بعد شاه روح ميرزا، وأبرز أن الضم السلمي كان تلبية لرغبة شعب هيرات نفسه.
وأثبت الكاتب في كتابه أن "الصراع" بين نوائي، وسلطان أبو سعيد كان مختلقاً. وقادنا المؤلف لنفس الإستنتاج من خلال دراسته للعلاقة بين نوائي وحسين بايقاري. وكذب المؤلف محاولات الأيديولوجيين السوفييت لإظهار الشاعر العظيم "كثوري"، عانى من شرور الملاحقات بسبب وقوفه ضد الحاكم، وكـ"ممثل للبسطاء من الشعب". ومن خلال تحليل المصادر الأصلية وحقائق المواد التي أثبت العدالة التاريخية: وأكد على عدم مطابقتها للتسلسل التاريخي.
وبعض الدقائق الهامة في سيرة حياة الشاعر العظيم، كتعيينه بمنصب أمير، الذي شغله خلال فترة محددة، بعد تعيينه بمنصب حاكم آسترآباد، وفسرها من خلال المواد الواقعية من المصادر الأصيلة. وتعتبر وجهة النظر هذه نظرة جديدة وتحتاج لنظرة مختلفة لبعض المسائل في سيرة حياة الشاعر. وعلى سبيل المثال: أثبت المؤلف من خلال مواد المخطوطات، أن الشاعر لم ينفى إلى آسترآباد، بل على العكس أؤتمن كشخصية حكومية مشهورة ومحترمة، على المدينة الحدودية لتعزيزها والحفاظ على السلام والهدوء للشعب.
وحلل المؤلف من كل الجوانب دور ووضع نوائي في القصر، وعلاقته بالوزراء، وتأثير الخلافات الجارية في القصر وعلى سلوكه منها وعلى وضعه. وجاءت علاقة نوائي بمعاصريه من خلال تحليل النصوص. وأضاف تصحيحات وتدقيقات على مسائل الخلافات حول علاقة الشاعر مع الوزراء مجد الدين محمد، ونظام المولك. وأزال بعض النقاط المجهولة وغير الدقيقة من خلال الحقائق الواردة في مواد المخطوطات الفريدة.
وتضمنت الدراسة جملة من الحقائق العلمية الجديدة. وأكدت على منشأ وإنتماء والد علي شير نوائي عن طريق تقديم الجديد من الحقائق الواردة في المواد النصية. وأثبت أن والد الشاعر كان من مستشارين ميرزه إبراهيم المقربين، حفيد شاه روه ميرزا، واسمه غياث الدين كيتشكين أي غياث الدين الأصغر، ولأنه نشأ مع والد السلطان حسين بايقاري، أثبت أن لغياث الدين أصول ملكية ولقبه يشير إلى هذا الفرق. وتوفي والد الشاعر عندما كان نوائي في سن الـ 11 أو 12 سنة، وبعد ذلك بوقت طويل لم يكن لنسب الشاعر أية علاقة بنسب بخشي الويغوريين.
ورأي المؤلف أن يضع الأخ الأصغر لنوائي، درويش علي، وكفاحه ضد الانتقادات الموجهة ضد أخيه الأكبر، ونشاطات الوزير مجيد الدين محمد كشخصية حكومية خبيرة، واحترامه لنوائي، مؤكداً أنها من دون شك أثرت على النظرات العلمية الجديدة لنوائي.
والأعمال التي تناولت حياة علي شير نوائي بالدراسة، تضمنت مرحلتين. الأولى: البدايات أو التفسيرات المبدئية من خلال التحليل المقارن لمصادر القرن الـ 15، أثناء حياة نوائي. والثانية: مرحلة التشكل أو مرحلة المراسلات. وارتبطت بتفسير التشكل خلال القرون الـ 16 والـ 19 من خلال مخطوطات الشعوب التركية في آسيا المركزية، وإيران، وأذربيجان، وأفغانستان، وشرق تركستان (الصين). وطلبت خلق شخصية جديدة فيها لأعماله الدؤوبة، وبسبب قدم المرحلة أورد المؤلفون في نصوصهم معلومات عن الفلكلور وأية معلومات أخرى لإضفاء مسحة جديدة فعالة وأحياناً لإضفاء الأهمية على الحدث.
ومع مرور الوقت ومع مستوى الموهبة، ووجهات النظر، وأهداف المؤلفين فقدت معلومات كثيرة أثرت على أهميتها ومضامينها. وعلى مختلف تفسيرات المعلومات التي أدت أحياناً إلى نتائج متناقضة، وإلى نشر معلومات خاطئة. ومع مرور الوقت أكثر، ابتعدت مضامين هذه المعلومات عن المصادر الأصلية أكثر. وانضمت بالتالي إلى "هجينة"، وأحياناً أخذت مضموناً مختلفاً في الأعمال الجديدة. وهكذا تضمنت في بعض المصادر المخطوطة التي طالعناها معلومات غير دقيقة عن حياة ونشاطات وشخصية نوائي، وهو ما أدى إلى خلافات كثيرة بين المتخصصين بدراسات نوائي.
وتضمن كتاب شهرت سيراج الدينوف، معلومات صنفت وفقاً لمراحل حياة الشاعر. وقدمت من خلالها تصورات محددة عن دراسة نسبه، وطفولته، ودور معلميه، وإمكانياته، وطبيعة سلوكه، وخدمته في القصر، وأملاكه، ونشاطاته الخيرية، وإبداعاته، وآخر سنوات حيات الشاعر. وكلها تمكن القارئ من الحصول على معلومات صحيحة من المصادر الأصلية، والتمكن بدقة من التعامل مع المعلومات من خلال عملية التبدلات الحاصلة فيها، والتحريفات الجارية عليها لاحقاً.
ونظم نشاطات نوائي العملية وتاريخ أقاربه وغيرها من المسائل المتعلقة بسيرة حياته، وفق الأسماء ووفق استعمالاتها.
وفي هذا القسم استعرض أيضاً أقوال الطهاة عن نوائي، ودرسات المقدمات التاريخية والأدبية للأقوال الشفهية، وانعكاسها في المخطوطات، ومراحل تحولاتها إلى مختلف الأشكال.
وألحق بالدراسة ملحقاً كبيراً من ثلاث فصول. الأول: كرسه للمصادر الأولية عن حياة علي شير نوائي، والثاني: عن ذكريات المعاصرين عن الشاعر العظيم. ومن بينهم عبد الرزاق سمرقندي، وميرخاند، وجامعي، وحسين بايقاره، وواعظ الكاشفي، وصيفي، وغيراتي فخري، وبابور، وميرزه دوغلات، وسوم ميرزه صفوي، وغيرهم. وفي الثالث: جمع معلومات من المؤلفات ذات الطبيعة البحثية. وتضمنت مؤلفاته: "مجالس النفائس"، و"خمسة المتخيرين"، و"وقفية"، و"حوليات سعيد حسن أرداشير"، و"حالتي بهلوان محمود". والمواد المستخدمة في الملحق وضعت بتلك اللغات التي كتبت فيها إلى جانب ترجمتها، وهو ما يوفر إمكانية تقديم كمية من المواد النوعية عن حياة وإبداعات علي شير نوائي.
وجاءت دراسة البروفيسور شهرت سيراج الدينوف كنتيجة طبيعية للسياسة الأوزبكستانية في مجال إحياء القيم القومية وإحلال العدالة التاريخية. وهذا البحث العلمي من دون تضخيم أصبح واحداً من إنجازات الدراسات الأدبية البارزة خلال سنوات الإستقلال.
ويمكن القول وبثقة تامة أن بحث شهرت سيراج الدينوف "علي شير نوائي: تحليل مقارن للمراجع النمطية والنصية" المرشح للمشاركة في المسابقة يستحق الحصول على الجائزة الحكومية بجمهورية أوزبكستان في مجال العلوم والتكنولوجيا لعام 2013.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق