السبت، 21 سبتمبر 2013

الأهداف الحقيقية من الحرب ضد سورية

نشرت الصفحة الإلكترونية مركز آسيا يوم 18/9/2013 نقلاً عن صندوق الدراسات الاستراتيجية مقالة كتبها فالنتين كاستاسونوف تحت عنوان "الأهداف الحقيقية من الحرب ضد سورية"، وأعتقد أنها تستحق المطالعة والتأمل لمعرفة أبعاد ما يدور في منطقة الشرق الأوسط وحشود الأساطيل الأمريكية والغربية في البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، والخليج العربي، وبحر العرب، والمحيط الهندي، ولافساح المجال أمام المهتمين بقضية مايدور في الشرق الأوسط وخاصة في سورية للإطلاع على مضمون المقالة أنشر ترجمة كاملة لها من اللغة الروسية إلى اللغة العربية.
الأهداف الحقيقية للحرب ضد سورية
كل متخصص يفهم مناورات واشنطن حول سورية وفق تقديراته الخاصة، ويفهم أهداف هذه المناورات . والعديد من الخبراء الذين يكتبون على الأزمة السورية، يفهمون أهداف الحرب الدائرة ضد سورية. على سبيل المثال على الشكل التالي:
1 ) توفير مصادر الطاقة للولايات المتحدة؛
2) خلق حالة من الفوضى المسيطر عليها للسيطرة على منطقة الشرقين الأدنى والأوسط؛
3) حماية مصالح إسرائيل أقرب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة؛
4 ) استخدام سورية كـ"زناد" لتأجيج نيران حرب إقليمية، يمكن أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة؛
5 ) زيادة التقييمات التي تتوقع سقوط الرئيس الأمريكي؛
6 ) إنشاء عنصر تحكم أكثر فعالية لواشنطن على الصين والدول الأوروبية، التي تعتمد على إمدادات نواقل الطاقة من منطقة الشرق الأوسط؛
7) احتلال سورية والانتقال لاحقا لتدمير الخصم الأكثر أهمية للولايات المتحدة وهو إيران؛
8) تأمين طلبات المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وزيادة ثراء "بارونات السلاح"​​؛
9) تحفيز الإنفاق العسكري الآخذ بالركود في الاقتصاد الأمريكي؛
10) تحويل أنظار الأميركيين عن البطالة والفقر والفشل في السياسة الأمريكية الخارجية، وتبرير تصرفات وكالات الاستخبارات الساعية للسيطرة على سكان الولايات المتحدة، وغيرها من الدول.
ووفق آراء الخبراء المساعي المتفاوتة تبين الهدف الحقيقي من إثارة واشنطن للتوترات حول سورية، وحتى أنه لا يمكن الوثوق بتصريحات باراك أوباما أو حتى أخذها بمحمل الجد. وهنا ننطلق من حقيقة أن الرئيس لا يفهم الخطط الشاملة بشأن سورية. والأكثر من ذلك أنه لا يوجد مثل هذا الفهم حتى في وزارة الدفاع ولدى جنرالات الجيش الامريكي ... وفي جلسة الاستماع الأخيرة التي جرت في كونغرس الولايات المتحدة الأمريكية، رد رئيس هيئة الأركان المشتركة، جنرال الأربع نجوم مارتن ديمبسي، على سؤال وجهه السيناتور بوب كروكر عن الأهداف التي يسعى لتحقيقها من الحملة على سورية، وأجاب مارتن مباشرة وبصدق : "لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال ولا عن ما نسعى لتحقيقه".
تحقيق "الأمن والسلام" من خلال الحرب
من وجهة نظري، للـ"المشروع السوري"، أهداف في التسلسل الهرمي للسلطة بواشنطن، وهي ثلاثة أهداف رئيسية ومترابطة:
1) تمهيد الطريق للعدوان على الحدود الروسية؛
ب) تهيئة الظروف لإشعال حرب عالمية ثالثة؛
ج ) الحفاظ على البترودولار في نظام النقد الأجنبي.
وقيل الكثير عن أن سورية هي فقرة وسيطة في خطط واشنطن العدوانية. وبعدها تصبح إيران هدفاً للعدوان. وبعد إيران يبدأ العدوان على الحدود الروسية الجنوبية.
والهدف الاستراتيجي الثاني الآن. كما سبق وذكرت هو ليس إثارة حرب عالمية ثالثة، بل تهيئة الظروف لإطلاق عنانها. والفارق البسيط هو أن الحرب العالمية الثالثة لا تحتاجها الولايات المتحدة في الظروف الحالية. وقد تحتاجها في المستقبل القريب. لماذا؟ لأنه مهما كانت الحرب العالمية الثالثة غير متوقعة فهي تبدو متوقعة، والجواب على هذا السؤال يكمن في أفكاري، ويأتي كاستجابة عقلانية بحتة غير موجودة هنا، بل موجودة في حقيقة أن لأصحاب نظام الاحتياطي الفيدرالي ( FRS)، التي تملي أمريكا إرادتها من خلاله، وعي ديني ملتهب: ويعتبرون أنفسهم المبشرين بـ(المسيح المنتظر)، وينتظرون مجيئه إلى العالم، ليجلس على عرش المعبد في القدس، ولاستعادة المعبد لابد من حرب إقليمية في الشرق الأوسط، يحتاجها أصحاب بنك الاحتياطي الفيدرالي على وجه التحديد لأنه من وجهة نظرهم، سيتم بتيجتها إعادة إنشاء الهيكل الثالث في القدس. وهي حرب إقليمية في واحدة من أكثر المناطق اضطرابا على كوكب الأرض، ويمكن أن تتصاعد بسهولة الى حرب عالمية، تنشر الفوضى في العالم. الفوضى التي ستكون على مرأى كل الأمم في العالم، لتأخذ هذه الأمم على عاتقها مهمة إعادة "الأمن والسلام". وعند ذلك سيأتي "اليوم الأخير"، ومعظم الناس بسعادة ينتظرون مجيء المسيح المنتظر (النظرة المسيحية - المسيح الدجال) ليعلن نفسه كضامن لـ"الأمن والسلام".
الحرب وسيلة لـ"لإلغاء" الديون
ومع ذلك، هناك تفسير بسيط لما تحتاجه واشنطن من الحرب العالمية الثالثة. وهو فرضية "مالية"، تتكيف مع الوعي الإلحادي للدوائر الحاكمة في الغرب. والهدف من هذه الحرب هي "إعادة جدولة" الديون الفلكية التي تراكمت على الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، والبنوك في وول ستريت ومدينة لندن، وتدين بها لهم البشرية جمعاء. وقد تجاوزت الديون السيادية للولايات المتحدة نسبة الـ 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وزادت الديون الخارجية للولايات المتحدة أيضا عن نسبة 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وتعاني الدول الأوروبية ومنذ عدة سنوات من أزمة ديون حادة، والمخرج منها غير مرئي. والديون السيادية لمنطقة اليورو تقترب نحو خط الـ 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي. والوضع الأكثر صعوبة هو وضع الديون الخارجية. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، اقتربت الديون الخارجية إلى مستوى 500٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا الدين يجعل من أوروبا حليفا عن غير قصد لواشنطن في مغامراتها العسكرية. فالحرب، وكما هو واضح لدى المقرضين، تفرض على الساسة المصرفيين "شطب" هذه الديون . وإلا فإن النهاية ستكون ليس للبنوك فقط، بل وللكثير من بلدان "المليار الذهبي" أيضا.
وآليات "شطب" الديون مختلفة. ونتيجة للحرب بشكل عام يمكن أن يختفي بعض المدينين من خريطة العالم. والصيغة الساخرة للمرابين معروفة ، "لايوجد مدين، لاتوجد ديون". ويفسر الآخرون أن مستحقاتهم من أمريكا ستلغى من أجل تغطية تكاليف "الدفاع عن الديمقراطية" وتغطية نفقات واشنطن على النطاق العالمي.
ليتحول الطرف الثالث من أصحاب الديون إلى مدينين وبدورهم يدفعون تعويضات عن الأضرار كأعداء أو كمتواطئين مع أعداء "الديمقراطية في العالم". وبشكل عام، لدى العم سام طريقة للخروج من الحرب، بإعادة جدولة الديون (أو بالأحرى، "تصفيرها")، لتصبح الولايات المتحدة الأمريكية خالية من الديون. وفي هذا الحساب يريد أقرب الحلفاء من واشنطن ، ومن ضمنهم المملكة المتحدة، أن تدخل مرة أخرى في "نهر التاريخ"، باسم "المنتصر" في الحرب العالمية المقبلة، والإستمتاع بكل فوائد الحرب العالمية، ولكن سيناريو الحرب العالمية سيوضع موضع التنفيذ في حال بقاء هرم الديون في أمريكا وهذا ممكن. لأنه تدور في هذه الأثناء حروب مصرفية معقدة في الولايات المتحدة، وتكافح من أجل الحفاظ على الهرم وتنميته.
واشنطن بحاجة للبترودولار، وليس النفط
والآن لتحقيق الهدف الاستراتيجي الثالث وهو الحفاظ على نظام الادخار بالبترودولار. وكما تعلمون، قبل أربعين عاماً جرى استبدال نظام الدولار الذهبي بنظام البترودولار. وأعلنت الولايات المتحدة عن إلغاء تبديل الدولار بالذهب عام 1971. وبعد عامين، خلقت النظام الجديد "البترودولار" لدعم الطلب العالمي على الدولار الأمريكي غير المضمون بالكامل. وفي عام 1973 توصلت الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية، إلى اتفاق ينص على أن يقاس كل برميل من النفط يتم شراؤه من المملكة العربية السعودية بالدولار الأمريكي. وبموجب الاتفاق الجديد، أي بلد يرغب شراء النفط من المملكة العربية السعودية، عليه أولاً تبديل عملته الوطنية إلى الدولار الأمريكي. لأن المملكة العربية السعودية مستعدة لتنفيذ صفقات النفط حصرا بالدولار الأمريكي، ومقابل ذلك عرضت أمريكا عليها السلاح وحماية مواقع إنتاج النفط من تعديات الدول المجاورة ومن ضمنها إسرائيل. وحتى عام 1975 وافقت كل دول أوبك على تقييم مواردها النفطية حصرا بالدولار الأمريكي وتلقي أموال النفط بالدولار. مقابل وعود بتسلم أسلحة وتلقي حماية عسكرية.
والفوائد التي تجنيها واشنطن من نظام البترودولار الذي أسسته قبل أربعين عاما ثنائية وهي:
أولاً، تلقى بنوك الاحتياطي الفيدرالي دخل من كل دولار ( الأموال الإئتمانية، تخلق ديون). لتحصل البنوك في هذه الحالة على أرباح هائلة، وتسقط بعض الفتات على الولايات المتحدة "بشكل عام".
ثانياً، مرور كل المدفوعات عبر بنوك الولايات المتحدة بالدولار، وبالتالي يصبح لدى واشنطن آلية فعالة للسيطرة على الدائرين في فلكها، من خلال نظام البترودولار العالمي.
ويقال أحيانا أن الولايات المتحدة تقاتل في الشرق الأوسط من أجل تأمين إمدادات النفط الدائمة لاقتصادها. وهذا غير صحيح، ففيما يتعلق بأحداث عام 2013 الجارية في كل أنحاء سوريه، وعلى الرغم من أنها كانت مجرد حجة استخدمت أثناء الغزو الأمريكي للعراق، فإن الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي آلان غرينسبين كتب في مذكراته التي نشرت عام 2007 ما يلي: "إنني أشعر بحزن، لأن الاعتراف بما يعرفه الجميع (!) أمر غير ملائم سياسيا: فحرب العراق بالمقام الأول كانت حرباً من أجل النفط". وفي نفس العام اعترف وزير الدفاع الاميركي، وبعده اعترف السناتور تشاك هيغل: بأن "الناس يقولون أننا لا نحارب من أجل النفط، ولكن بالطبع نحن نحارب من أجله".
وخلال السنوات القليلة الماضية، حلت أمريكا مشاكل الطاقة بشكل فعال عن طريق ما يسمى بـ"ثورة الصخر الزيتي". وقل اعتمادها على المصادر الخارجية في كل عام. حتى أن أمريكا لا تسعى لإنشاء أنظمة تسيطر عليها أكثر في العالم العربي، من أجل ضمان استمرار إمدادات النفط والغاز المهمة للولايات المتحدة. وتشكل واردات النفط من منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط اليوم من إجمالي استهلاك النفط في الولايات المتحدة نسبة 10٪ فقط،، وهذا المؤشر قد ينخفض خلال السنوات المقبلة ​​إلى الصفر. وتكافح واشنطن من أجل أن يتم تداول موارد النفط بالدولار الأمريكي. وهذا يصب في مصلحة نظام الاحتياطي الفيدرالي مباشرة. وعلى سبيل المثال ، تقيم الصين الآن علاقات وثيقة ومتزايد مع إيران بغض النظر عن العقوبات المفروضة على إيران. وما أثار غضب واشنطن (وفي الواقع المسؤولين في FRS) أن التجارة بين البلدين تتم ليس بالدولار الأمريكي، بل عن طريق المقايضة، أو المقاصة، أو على أساس النقد الوطني. ولا يرغب أحد ممارسة تجارة الطاقة بالدولار طوعا. ولكن يمكن أن يقوموا بذلك الآن تحت ضغوط القوة فقط وخاصة الضغوط على المنتجين والمصدرين.
تصاعد الصراع من أجل البترودولار
وتمثل العراق، وليبيا، وسورية، وإيران فقرات لصراع واشنطن من أجل الحفاظ على البترودولار. ولنتذكر بعض الحقائق نصف المنسية. في أوائل عام 2011، تحدث الرئيس السوري بشار الأسد عن بداية تعاون مع روسيا والصين، تتم من خلاله كل مدفوعات توريد النفط بالروبل واليوان. ومن مارس/آذار 2011 بدأت الاضطرابات المناهضة للحكومة السورية للإطاحة بالنظام القائم، وفي 15 نوفمبر/تشرين ثاني من ذلك العام دخل الحظر على تصدير واستيراد النفط السوري حيز التنفيذ، ومن 1/6/2012 دخل حيز التنفيذ الحظر المفروض على صادرات النفط الإيرانية، لأن طهران في عام 2008 بدأت ببيع نفطها باليورو والريال، من خلال البورصة المحلية.
وأخذت أوضاع أصحاب بنك الاحتياطي الفيدرالي تتحمل ضغوطاً أكثر. وفي أوائل عام 2013، إنخفضت حصة الدولار في المعاملات الدولية إلى ما تحت الشريط السيكيولوجي الهام إلى مادون الـ 50٪. وكانت إشارة خطيرة جداً لأصحاب بنك الاحتياطي الفيدرالي. ويمكن أن تكون واشنطن وغيرها من الدول في القوائم "السوداء"، وقوائم الـ"إعدام". وهي الدول التي تتداول، أو تستخدم:
أ) المقايضة؛
ب) المقاصة؛
ج ) الذهب؛
د) العملات الوطنية.
وعلى سبيل المثال، تشتري الهند والصين النفط الايراني بالذهب. وواشنطن لا تستطيع إجبار الهند والصين على التخلي عن هذا الأسلوب في التداول، ولكنها تتمنى أن تنجح في التعامل مع إيران. وأسفت واشنطن جداً لأن موسكو وهي أكثر ثقة تستخدم الروبل في التعامل التجاري مع الدول القريبة منها. والعقود الصينية والروسية تبرم بشكل متزايد بالروبل واليوان. وانتقلت بكين إلى الحسابات باليوان حتى مع دول أوروبا الغربية. أليس هذا سبباً لتنظر واشنطن إلى روسيا والصين كخصمين رئيسيين ؟ ولذلك يحاول العم سام الإقتراب من حدود روسيا عبر سورية وإيران، ليس لأسباب جيوسياسية فقط، بل مالية بحتة أيضا. وكل من يحاول تقويض ميزان البترودولار يجب أن يعاقب !
ومواصلة واشنطن لكفاحها من أجل الحفاظ على نظام البترودولار فقط سيصيبها باليأس، وعند ذلك ستنتقل إلى تنفيذ "الخطة ب " وهي "الحرب العالمية الثالثة". وصاعق تفجير هذه الحرب موجود في الشرقين الأدنى والأوسط، وبدقة أكثر موجود في سورية وإيران.

هناك تعليق واحد: